للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجابني، وهذا هو الأمر الذي أجعله نصب عيني؛ حينئذ شمرت عن ساعدي الجِد، وأخذت أصوم بعض الأيام وأصلي بعض الليالي؛ فكنت أَجِدُ في ذلك لذة وسرورًا، وتوجهت إليه سائلًا بقلب محترق؛ ولكم قلت: يا خالق هذه الدنيا، أنا لم أخلق نفسي؛ بل وجدت أني هكذا، وأني أوجه قلبي إلى ذلك الموجود الذي خلقني، وإذا كان خالقًا لي فهو عظيم وكبير ورحيم، وإن لي جسمًا ورُوحًا؛ فلتتوجه الروح إليه ولتسأله أن أقف على الحقيقة، يا ألله، أنت خلقتني فعلمني، أوا، ومَن لي بأن أقف على هذا الوجود وسره فأكتب ما أقف عليه لمن بعدنا، حتى إذا وجد في الدنيا مَن احترق فؤاده لمعرفة هذه الدنيا رأى أمامه ما جربت من الأعمال، وما قاسيت من الأحوال؛ فيهتدي ولا يجد هذا العناء.

وصرت أطلب ذلك في الحقول وعلى شطوط الأنهار، ولكم دعوت في الخلوات، وناجيت في الصلوات في المنزل وعلى شطوط الأنهار، وتارة أحضر تفسير القرآن للجلالين، وأقرأ تفسير الألفاظ الذي كتب هناك فأقول: يا رب، هذه الظواهر لم أقف على سرها، أما اللفظ ففهمته فأين عجائب الدنيا، وبينما أنا كذلك إذ وقع في يدي كتاب جاء فيه حديث: "لقد أنزلت عليَّ الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتدبرها، ويل له، ويل له، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض} ... إلخ١، ٢.

فقلت: هذا حسن، أمن هذا الباب كان دخول الأنبياء؛ فصرت أقف على شواطئ الأنهار وفي الحقول وأنظر إلى السحاب وأفكر فيه وهذا ابتداء العجب".

إلى أن قال: "ثم أخذتُ أطالع تفسير القرآن كل يوم ربعًا، وكان الجزء يتم في ثمانية أيام، وكنت أحفظ التفسير عن ظهر قلب حفظًا عقليًّا؛ ظنًّا مني أن فَهْمَهُ حرام كما كان يقال إلا بتوقيف من الشيخ، ثم أخذت أدرس ذلك أشهرًا قليلة وأنا أدعو الله فاستجاب الدعاء، ووصلت إلى الأزهر ثانيًا، وزال خطر الانقطاع منه، وأتممت العلوم التي كانت فيه على وجه التقريب، ثم دخلت إلى مدرسة "دار العلوم"، وكانت زاخرة بكل ما أريده، ووجدت فيها كل ما كنت أصبو إليه، وأنا في


١ لم أجده.
٢ سورة البقرة: الآية ١٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>