الحقول، وكنت أتعجب أن يكون هذا في بلادنا وأنا عنه محجوب؛ فوجدت أن النفوس الإنسانية قد بحثت وفكرت، ولقد كنت أعتقد أن الدروس التي أقرؤها عبادات، وأنها خير العبادات حتى فن الرسم؛ فكنت أرسم في الدرس وأنا معتقد أنه عبادة؛ لأنه مشحذ للذهن، مقوٍّ للعلم، معلمٌ للنظام الذي كنت أبحث عنه في الحقل فلا أجده.
كل ذلك بعدما درست القرآن في الأزهر الشريف على جلة الشيوخ الكبار، ثم صرت مدرسًا في المدارس المصرية الابتدائية والتجهيزية والعالية، وكذا "الجامعة المصرية" أيضًا في قليل من الزمن. وفي أثناء ذلك كنت أختلس من الوقت ما أقدر عليه وأؤلف كتبًا؛ فبلغت الرسائل والكتب ما يقرب من أربعين، ونُشرت بين المسلمين؛ وذلك لأفي بعهدث الذي عاهدت الله عليه، ولم يكن في شيء من ذلك مني تكلف؛ بل كان الوجدان هو الذي يسوقني، وهناك تجلت في النفس أحوال تدعو إلى النشر بين المسلمين لا محل لذكرها الآن؛ وهأنذا أكتب في هذا التفسير ما يفتح به عليَّ.
أقول: وإني الآن أحمد الله عز وجل إذ وصلت في التفسير إلى هذه السورة، وما كان ذلك من الميسور ولا بعضه؛ ولكن الله هو الذي أعانني، وهو الذي سهل ذلك لي، وأن أقصى ما أردته في هذه الحياة أن أتم هذا التفسير وأن ينشر، وعند ذلك أعتقد أني أديت ما أعتقد أنه واجب على دينًا ووجدانًا، وهناك أشعر بإتمام المطلوب، وأن ولوعي بنشر هذه الآراء كولوعي بمعرفتها، فأنا اليوم كنفسي من قبل يوم أن كنت صغيرًا، هنالك الاهتمام بالتعلم، وهنا الاهتمام بالنشر، وهما في النفس سواء؛ بل إني أجد القلب شديد الاهتمام بثانيها أكثر منه بأولهما.
وها هو ذا أمانة في يديك أيها الذكي، وستقرأ فيما كتبه الكاتبون من الأمة الإسلامية في الشرق والغرب، فاجعل نصب عينيك هداية المسلمين {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}".
إلى أن قال: "إن الدين الإسلامي دين حكمة وشريعة، دين يأمر يجميع العلوم، وهأنذا أديت ما عليَّ من النصح، وتركت الأمر لمن بعدنا، وسنفارق الدنيا، وسيقوم بهذا رجال ذوو عقول كبيرة نفوذ وشوكة بين المسلمين، وسيقلبون نظام الدنيا ويملئونها حُكْمًا وعدلًا، ولتعلمن نبأه بعد حين"١.