للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا ما قاله في تعليل اتجاهه، وهو اعتراف صريح منه بأن مبعثه كان الشك والتفكير في هذه الدنيا: أَلَهَا خالق؟ وهل الأنبياء كلموه؟ واعترف بأنه لا يصدق إلا إذا عرف بنفسه ولا يتكل على أحد!! وتساءل عن رأي الفرنجة: هل يقولون بأن لهذا العالم إلهًا؟ ثم اعترف أخرى بأنه لا يصدق إذا عرف عقله!! واستمر شكة هذا إلى أن دخل مدرسة دار العلوم، وكانت زاخرة بكل ما يريده، ووجد فيها كل ما يصبو إليه، ثم أبدى عجبه أن يكون هذا في بلاده وهو عنه محجوب، ووجد فن الرسم مقويًا للعلم معلمًا للنظام "نظام الكون" الذي بحث عنه في الحق فلم يجد! وقد صرح في موضع آخر بأنه أراد من تأليفه ألا يشك الناس في أمر هذا الوجود كما شك١.

إذًا فبسبب اتجاهه الاتجاه العلمي طلبه علاج الشك في قلبه، فهل هذا الشك هو الدافع له وحده ... ودَفَعَ غيره كما دفعه إلى طلب المانع لهذا الشك؟ وهل الاتجاه إلى العلوم التجريبية علاج للشك أم هو زيادة في الطمأنينة القلبية لمن لم شك؟

أحسب هذا وذاك وغيرهما أمورًا توزعت بين أصحاب التفسير العلمي التجريبي للقرآن الكريم؛ فمنهم مَن شك، ومنهم مَن يطلب الطمأنينة التي طلبها إبراهيم عليه السلام: {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} ٢، وهؤلاء انقسموا إلى قسمين؛ أولهما: طلب الطمأنينة في التطبيق بين آيات القرآن والحقائق العلمية، ومنهم مَن آثر طلبها من غير ربط بين هذه وتلك، وفيهم المخطئ، وفيهم المصيب، والله عليم بذات الصدور.

وعودة إلى الشيخ طنطاوي جوهري لمعرفة سبب تأليفه لهذا التفسير الكبير بحجمه وبعلومه ومعارفه؛ فقد أشار إلى ذلك في مقدمة تفسيره؛ حيث قال: "أما بعد، فإني خُلقت مغرمًا بالعجائب الكونية، ومعجبًا بالبدائع الطبيعية، ومشوقًا إلى ما في السماء من جمال، وما في الأرض من بهاء وكمال، آيات بينات،


١الجواهر: طنطاوي جوهري ج١٧ ص١٨٢.
٢ سورة البقرة: من الآية ٢٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>