إلى أن قال: "ثم إني لما تأملت الأمة الإسلامية وتعاليمها الدينية؛ ألفيت أكثر العقلاء، وبعض أجلة العلماء، عن تلك المعاني معرضين، وعن التفرج عليها ساهين لاهين، فقليل منهم مَن فكر في خَلْق العوالم، وما أُودع فيها من الغرائب!
فأخذت أؤلف كتبًا لذلك شتى؛ كنظام العالم والأمم، وجواهر العلوم، والتاج المرصع، وجمال العالم، والنظام والإسلام، ونهضة الأمة وحياتها، وغير ذلك من الرسائل والكتب، ومزجتُ فيها الآيات القرآنية بالعجائب الكونية، وجعلت آيات الوحي مطابقة لعجائب الصنع وحكم الخلق، وأشرقت الأرض بنور ربها، وتقبلها أجلة العلماء قبولًا حسنًا، وتُرجم منها الكثير إلى اللغة الهندية المسماة بالأوردية، وإلى لغة القازان بالبلاد الروسية، وإلى لغة جاوة في الأوقيانوسية؛ ولكن كل ذلك لم يشفِ مني الغليل، ولم يقم على غنائه من دليل؛ فتوجهت إلى ذي العزة والجلال أن يوفقني أن أفسر القرآن، وأجعل هذه العلوم من خلاله، وأتفيأ في بساتين الوحي وظلاله، ولكم طلبت منه جل جلاله بالدعوات في الخلوات، وابتهلت إليه وهو المجيب؛ فاستجاب الدعاء"١.
إذًا فالدافع له توجيه أنظار الأمة الإسلامية إلى هذه العلوم، ولم يشفِ غليله أن يفرد هذه العلوم بمؤلفات خاصة؛ بل شفاه أن فسر القرآن، وجعل هذه العلوم في خلاله.
لهذا فإنه يدعو بكل ما أُوتي من قوة إلى الأخذ بهذه العلوم والمعارف، وإدخالها في تفسير القرآن الكريم، وينعى على العلماء السابقين الذين وجهوا عنايتهم إلى كتب الفقه وآيات الفقه، وهن لا يتجاوزن مائة وخمسين آية، وأعرضوا -كما يقول- عن علوم الكائنات التي لا تخلو منها سورة؛ بل هي تبلغ ٧٥٠ آية؟!
وقد جاوز في دعوته حد الاعتدال، وأفرط في تجاوزه حد المباح؛ فذم وعم
١ الجواهر في تفسير القرآن الكريم: طنطاوي جوهري ج١ ص٢.