العرقوبية، كما أن المجاهد من الصوفية لا ينال الزلفى إلا باحتقار العالَم الفاني، ولما كانت السورة التي نحن بصددها قد جاء فيها حياة العزير بعد موته، وكذلك حماره، ومسألة الطير وإبراهيم الخليل، ومسألة الذين خرجوا من ديارهم فرارًا من الطاعون فماتوا ثم أحياهم، وعلم الله أننا نعجز عن ذلك؛ جعل قبل ذكر تلك الثلاثة في السورة ما يرمز إلى استحضار الأرواح في مسألة البقرة، كأنه يقول: إذا قرأتم ما جاء عن بني إسرائيل من إحياء الموتى في هذه السورة عند أواخرها فلا تيئسوا من ذلك؛ فإني قد بدأت بذكر استحضار الأرواح فاستحضروها بطرقها المعروفة و {اسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} .
ولكن ليكن المحضِر ذا قلب نقي خالص على قدم الأنبياء والمرسلين كالعزير وإبراهيم وموسى؛ فهؤلاء لخلوص قلوبهم وعلو نفوسهم أريتهم بالمعاينة ليطمئنوا، وأنا أمرت نبيكم أن يقتدي بهم فقلت:{فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه} فاقتدوا بهم في تعلم ما تطمئنون به وتوقنون؛ ولكن قبل ذلك اقتدوا بالأنبياء في طهارة القلوب وزوال الرجس من النفوس، فإن هذه الأمور إنما تعرف بالتجرِبة والعمل، لا بالقياس ولا بالنظر والحدس الفكري١.
هذا أهم ما قاله الشيخ طنطاوي جوهري في تفسير هذه الآيات وأمثالها، صرف معانيها إلى تحضير الأرواح، وفسرها تفسيرًا لا يقبله ذو لب يعرف مرامي القرآن الكريم وأهدافه؛ حتى قال الشيخ مصطفى محمد الحديدي الطير عن هذا التفسير:"هو من أغرب ما يقال في تفسير القرآن الكريم، فهو أبعد ما يكون عن معناه وعن أهدافه وأغراضه، كما أن تحضير الأرواح علم كاذب؛ فلا يوافق الدين على الإيمان به، ولا يعترف بأخبار الأرواح التي تحضر عن طريقه، فهي أرواح جن، تكذب بادعاء أنها الأرواح المطلوب إحضارها ومكالمتها، وكيف يمكن أن تكون صادقة وهي تقول عن نفسها: إنها في الجنة، وقد تكون مشركة أو منكرة للدين في حياتها؟! وكيف يمكن استحضارها في حين أن السطان عليها لله الواحد القهار؟! "