للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أدخل الشيخ طنطاوي الاكتشافات العلمية الحديثة في وسائل الاعتراف في تفسير هذه الآية على نحو غريب لا أعلم أنه سبق إليه، فقال:

"يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ... } إلخ، يأمرنا أننا إذا قتلنا أو سرقنا أو زنينا ووقفنا تحت آلات القتل نقر، وإذا رأيت أبي واقفًا وآلة الشنق منصوبة له أقول: إن أبي قاتل، ولا أخجل ولا أخاف، كل ذلك يأمرني به الله. يأمرنا الله بما لم يشهد أحد عمله إلا نادرًا جدًّا، وليس في النوع الإنساني مَن يبادر إلى ذلك إلا في النادر؛ ولكن الله سبحانه إنما يريد أن يعيش الناس بسلام ووئام، ويكونوا إخوانًا لتحلوَ الحياة ويكون الصفاء.

فهل لك أن تسمع من العلم الحديث والكشف الغريب ما يجعل هذا الإقرار أمرًا متداولًا؟ هل لك أن تقرأ ما رسمته الدولة المعاصرة لنا وما كشفوه في هذا المقام حتى تحكم أنهم إذا ساروا على هذا المنوال سنين أصبح ما يقوله الله الآن أمرًا معتادًا، ويقر الإنسان على نفسه وعلى أمه وعلى أبيه وعلى قريبه وعلى ملكه وعلى اللص الذي سرق معه؛ بل يصبح الناس لا سرقة عندهم ولا قتل إلا نادرًا، ويزول الكذب في الشهادات وتصدق الأحكام؟ فلأذكر لك ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: الإقرار بمصل الصدق

وأصل هذا المصل أن طبيبًا يُسمى الدكتور هاوس من المختصين بالتوليد، وعادة الطباء أنهم إذا رأوا امرأة تعسر وضعها حقنوها بهذا المصل المسمى "اسكوبلامين"، فلاحظ أثناء الحقن والمرأة تضع وهي لا تحس بألم أنها تُفشي أسرارًا ما كانت تنطق بها عادة؛ بل تلك الأسرار من أكبر الفضائح والعار، فتوجه إلى رجال الحكومة وأحضروا من السجون نحو خمسائة مسجون وحقنوهم بالمصل كما تحقن الوالدات واستنطقوهم؛ فكانوا يجيبون إجابات صريحة، ويخبرون بالحقائق كما هي، ولم يجدوا في جميع مَن سألوهم كلمة واحدة تخالف الصواب، ولما أفاق أولئك الرجال دُهشوا لما علموا أنهم أجابوا بالحقائق التي أنكروها قبلًا، وقد قال العلماء في ذلك: إن استعماله سيفضي إلى إخلاء السجون من الأبرياء، ولقد وضعوا الرجال المتهمين على موائد كما تُوضع المرضى

<<  <  ج: ص:  >  >>