وحقنوهم ثم سألوهم في معارض حضرها رجال القضاء والطب فأسفرت عن النتائج عينها، ويقولون: إنه في بلاد الإنجليز التي كشف فيها هذا المصل يقدم عشرة متهمين للمحاكمة فلا يحكم إلا على واحد لثبوت التهمة ويبرأ الباقي، ومتى حقنوا بهذا المصل ظهر المحق من المبطل، وأيضًا يقبض على الثلث من المقبوض عليهم خطأ ويبرءون فيما بعد؛ فهذا المصل ينفي التهمة ويخرجهم، وليس هذا نافعًا لإنجلترا وحدها؛ بل للعالم قاطبة متى انتشر في الكرة الأرضية.
المسألة الثانية:
إن الجناة يعرفون في العالم الإنساني الآن بآثار الإبهام، وذلك أن بلادنا المصرية جعلت إدارة خاصة لآثار الأصابع، وجعلتها أصنافًا وأنواعًا؛ بحيث إن الإنسان ليس يكون أثر إبهامه له مشابه آخر في الشرق أو في الغرب؛ ولذلك تراهم يأتون المذنبين ويأمرونهم بوضع أصابعهم على الورق وهي ملوثة بالحبر؛ فهذا الأثر يدل على صاحبه لا يشاركه فيه سواه. هكذا الأقدام فإن عرب البادية في بلادنا يعرفون الناس بآثارهم؛ كالقدماء من العرب الذين كانوا يقصون الأثر، فكل امرئ له قَدَمٌ بصفات خاصة لا يشاركه سواه.
المسألة الثالثة:
لقد ظهر في أمريكا وفي أوربا علم يقال له علم "السيكومتري"؛ أعني: علم قياس الأثر، وقد استعملت هذه اللفظة سنة ١٨٤٢، وهي مشتقة من لفظة يونانية "سيكي" أي: النفس، و"مترون" أي: قياس، ومعناها اللفظي: قياس النفس.
وقالوا في هذا العلم: إنه لا يقع ظل على حائط من دون أن يترك أثرًا فيه يمكن إظهاره بالوسائل الصناعية، وكل غرفة تظن أنها محجوبة عن العيون فيها آثار كل ما حصل فيها ولو من مئات السنين؛ بل كل حَجَر وشجر ومدر توجد عليه رسوم ما حصل عنده من خير أو شر، فكل حركة وكل فكرة تصدر من الناس ترسم على ما حولهم؛ فكأن هناك صورًا لطيفة لا عدد لها، ثابتة على جميع الأشياء، لا تزول بمرور القرون والدهور".