وذلك من قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} ١.
فقد أورد في تفسيرها أحدث النظريات العلمية في الجبال والبراكين وأسباب هيجان البراكين، وقد تحدث قبل ذلك عن الآية التي قبلها، وذكر أن فيها معجزتين: أن السماوات والأرض كانتا رتقًا، وأن الله جعل من الماء كل شيء حي. ثم تحدث عن المعجزة الثالثة في هذه الآية فقال:
"ثم أتى بمعجزة ثالثة فقال: "وجعلنا في الأرض رواسي" أي: جبالًا ثوابت كراهة "أن تميد" أي: تميل "بهم" وتضطرب، فإنك سترى أن الأرض لها ستة أدوار -تقدم ذكرها في سورة هود- وهذه الأدوار الستة مقسمة إلى ٢٦ طبقة، والدور الأول منها كان عبارة عن الزمن الذي كون فيه على الكرة الأرضية النارية قشرة صوانية صُلْبة، قدر زمنها بنحو ثلاثمائة مليون سنة، ومعلوم أن الأرض كانت نارًا ملتهبة فبردت قشرتها وصارت صوانية؛ وهي الغلاف الحقيقي لتلك الكرة النارية، ولا تزال الأرض تُخرج لنا من أنفاسها المتضايقة ونارها المتقدة في جوفها كلَّ وقت نارًا بالبراكين التي شرحناها سابقًا في هذا التفسير في سورة "آل عمران".
فهذه البراكين أشبه بأفواه تتنفس بها الأرض لتخرج بعض النار من باطنها، ثم يخرب ذلك البركان وينفتح بركان آخر، وهذه البراكين تخرج نارًا وموادًّا ذائبة تدلنا على أصل أرضنا وما كانت عليه قبل الدهر.
فهذه القشرة الصُّلْبة لولاها لتفجرت ينابيع النار من سائر أطرافها، كما كانت بعدما انفصلت من الشمس كثيرة الثوران والفوران، وهذه القشرة الصوانية البعيدة المغلفة للكرة النارية هي التي ثبتت منها هذه الجبال التي نراها فوق أرضنا، كما يقول علماء طبقات الأرض.
فمن هنا ظهر أن هذه الجبال جعلت لحفظها من أن تميل؛ لأن الطبقة الصوانية هي الحافظة لكرة النار التي تحتها، والكرة الصوانية هذه نبتت لها أسنان طالت وامتدت حتى ارتفعت فوق الأرض، فلو زالت هذه الجبال لبقي