استطرادًا في الحديث واستشهادًا، وهو ولا شك عندي أنه أمر غير محمود؛ لكنه أقل خطرًا من إيراده كتفسير للآية.
ومن السور التي أدخل فيها االشيخ طنطاوي جوهري هذه العلوم أول سور القرآن الكريم؛ أعني: سورة الفاتحة، وإليك بعض -أكرر بعض- ما أدخل فيها، قال:
"نزلت هذه السورة لتعليم العباد: كيف يتبركون باسم الله عز وجل في سائر أحوالهم، وكيف يحمدونه ويستعينون به، فيبتدئ القارئ قائلًا: أقرأ متبركًا باسم الله الرحمن المنعم بجلائل النعم؛ كالسماوات والأرض والصحة والعقل، الرحيم المنعم بدقائقها؛ كسواد العين، وتلاصق شعرات أهدابها المانعات من دخول الغبار المؤذِي لها، مع أن النور يلمع من خلالها، وينقل صور المرئيات إلى حدقتها فشبكيتها فالدماغ، فهذه الدقة في الصنع والحِكَمة في الوضع التي أباحت لضوء الشمس والكواكب مثلًا أن يلج، ومنعت الغبار أن يدخل يعبر عنها بلفظ: الرحيم؛ تتميمًا للنعمة، وتكميلًا للهناء والسعادة.
ولما كان أكثر الناس لا يلحظون العجائب الكامنة فيهم، ولا يعرف نفسه إلا قليل منهم، وهم أكابر الحكماء والأولياء؛ وجب أن أبيِّن في هذا المقام بعض رحمة الله عز وجل في العالم المشاهَد: فمنها ما أشار إليه "العلامة الأستاذ ميلن إدوارد: أن حيوانًا يسمى اكسلوكوب" يعيش منفردًا في فصل الربيع، ومتى باض مات حالًا، فمن رحمة الله، وجميل صنعه، ورأفته بالخَلْق أن ألهم هذا الحيوان أن يبني بيتًا قبل أن يبيض على منوال ما كانت تفعله عاد من اتخاذ البيوت بالحَفْر؛ ولكن هذا في خشب، وأولئك في صخر، فيعمد ذلك الحيوان إلى قطعة من الخشب، فيحفر فيها حفرة مستيطلة، ثم يجلب طلع الأزهار، وبعض الوراق السكرية، ويحشو بها ذلك السرداب، ثم يبيض على ذلك بيضة، ثم يأتي بنشارة الخشب ويجعلها عجينة، ويجعل منها سقفًا لذلك السرداب، والحكمة في ذلك: أن هذه البيضة متى فقست وخرجت الدودة كفاها ذلك الطعام سنة، وهي المدة التي لا تستطيع تلك الدودة أن تحصل فيها قوتها، ومتى