للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومسلم -رحمهما الله تعالى- عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكوثر نهر وعدنيه ربي عز وجل في الجنة" ١. قال السيوطي رحمه الله تعالى: "له طرق لا تُحْصَى"٢.

هذا ما ورد في السنة في بيان المراد بالكوثر، وهذه هي درجته فيها؛ ولكن الأستاذ الإمام محمد عبده يقول بغير هذا، واقرأ معي قوله: "وأما أن هناك نهرًا في الجنة اسمه الكوثر، وأن الله أعطاه نبيه، فلا يفهم من معنى الآية؛ بل الذي يدل عليه سياق السورة وموضع نزولها هو الذي بيَّناه من أحد القولين، والأول -وهو النبوة وما في معناها- أرجح.

أما الاعتقاد بوجود هذا النهر في الجنة فموقوف على تواتر الأخبار التي وردت به، وقد ذهب جماعة إلى أنها متواترة المعنى؛ فيجب الاعتقاد بوجود النهر على وجه عام دون تفصيل أوصافه؛ لكثرة الخلاف فيها.

ولكن التواتر لا يصح أن يكون برأي جماعة أو برأي آخرين، فحد التواتر هو ما تراه في القرآن: تعرفه طبقة عن طبقة، يُؤْمَنُ تواطؤ كل منها على الكذب، إلى أن وصل إليك، لا تنكره فرقة من فرق المسلمين قاطبة، فهذا التواتر هو الذي يوجب اليقين، وليس الأمر كذلك في أحاديث النهر؛ فإنها -وإن كثرت طرقها- لم تبلغ هذا المبلغ؛ فلا يصدق عليها اسم المتواتر، خصوصًا وأنه يظن بالرواة سهولة التصديق في مثل هذا الخبر؛ لما فيه من غرابة الكرامة وجمال الوصف؛ فيسهل على كل راوٍ الميل إلى تصديق ما يقال له، وهذا يخل بشرط التواتر؛ لأن أول شرط فيه ألا يكون في الطبقات رائحة التشيع للمروي"٣.

ومن هذه الأقوال للأستاذ الإمام يظهر موقفه من السنة، وأنه يرد صحيحها لأسباب واهية، لم يقل بها أحدٌ من قبله، لا من علماء الحديث، ولا من سواهم، ومثل


١ مسند أحمد ج٣ ص٢٢٠، ٢٣٦، وصحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب من قال البسملة آية من أول كل سورة سوى
براءة ج٤ ص١١٣.
٢ الإتقان في علوم القرآن: الإمام السيوطي ج٢ ص٢٠٤.
٣ تفسير جزء عم: محمد عبده ص١٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>