للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يظهر حجته عند فرعون وقومه، فقال لفرعون: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ، قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ، فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ، وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} ١.

ولكن المعجزة تلك أمر خارق للعادة، وأمر كهذا يصيب العقل بالدهشة، ويوقفه عند حد لا يستطيع معه اكتناه سرها ومعرفة حقائقها ودقائقها؛ مما يوقف صاحبها عند حد مفترق طرق، إما أن يعرف قصور العقل عن دركها، وأن هذا أمر خارج عن قدرة البشر؛ فيبحث عن منشئه حتى يصل إلى الإيمان بالله تعالى، وإما أن يبقى مصرًّا على أن العقل خُلق ليعرف، وأنه قادر على أن يعرف، لا يعجزه شيء، وما عجز عنه فليس لقصور فيه؛ بل فيما عجز عن دركه؛ إما لعدم ثبوته أو بتأويله بما لا يكون به خارقًا للعادة؛ وبالتبع ليس مدهشًا للعقل.

قالت طائفة بذاك، وقالت طائفة بذا، والتمست كل ما ترى لها به متعلقًا لتأويل أو إنكار أو تقليل من شأنها.

بل عَدَّ السيد رشيد رضا -عفا الله عنه- مجرد ذكر القرآن الكريم لمعجزات الأنبياء السابقين سببًا لإعراض العلماء والعقلاء "!! " عن الدين الإسلامي والدخول فيه "!! " ولولا رواية القرآن لذلك لكان إقبال أحرار الإفرنج عليه أكثر، واهتداؤهم به أعم وأوسع؛ حيث يقول: "ولولا حكاية القرآن لآيات الله التي أيد بها موسى وعيسى -عليهما السلام- لكان إقبال أحرار الإفرنج عليه أكثر، واهتداؤهم به أعم وأسرع؛ لأن أساسه قد بُنِيَ على العقل والعلم، وموافقة الفطرة البشرية، وتزكية أنفس الأفراد، وترقية مصالح الاجتماع"٢.

ثم وصف هذه المعجزات وغيرها بقوله: "وأما تلك العجائب الكونية، فهي مثار شبهات وتأويلات كثيرة في روايتها وفي صحتها وفي دلالتها، وأمثال هذه


١ سورة الشعراء: ٣٠-٣٣.
٢ تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج١١ ص١٥٥، والوحي المحمدي له ص٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>