للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثامنا: ترك الإطناب فيما أبهم من القرآن:

قال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} ١، وفي قوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} ٢. لمحة ترشدنا إلى أن في خلق الله أسرارا لا تدرك للعباد, فإن في الصلاة من جهة أعداد ركعاتها وأوقاتها, وفي أنصبة الزكاة ومقادير الكفارات لمحات أخرى واضحة جلية في أن لله سبحانه في تكاليفه ما يعجز البشر عن إدراك أسراره وما عليهم إلا أن يؤمنوا ويمتثلوا, فتصدق فيهم العبودية ويخلص منهم الإيمان٣.

والقرآن الكريم فيه مما نعجز نحن البشر عن إدراك حقائقه وأمرنا أن نقول عنه: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} ٤.

وهذا لا يطرد فيما وضحت دلالته العربية وثبت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بيانه، بل الواجب أن نفهم منه ما بين فيه في موضع آخر أو بينه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو أحد أصحابه أو وضحت دلالته العربية.

وما سوى ذلك نكل علمه إلى الله سبحانه وتعالى, فلو كان في ذكره فائدة لنا دنيا أو أخرى لذكره سبحانه وهو أعلم بصلاح أمورنا وما يستقيم عليه ديننا؛ ولهذا لما صعد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- المنبر وقرأ: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} ٥، فقال: ما الأب؟ ثم قال: إن هذا لهو التكلف, فما عليك أن لا تدريه, وسأل رجل ابن عباس -رضي الله عنهما- عن: {يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} ٦ فقال له ابن عباس: فما {يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} ٧؟ فقال


١ سورة الإسراء: الآية ٣٨.
٢ سورة الإسراء: من الآية ٨٥.
٣ تفسير القرآن الكريم: محمود شلتوت ص٥٧.
٤ سورة آل عمران: من الآية ٧.
٥ سورة عبس: الآية ٣١.
٦ سورة السجدة: من الآية ٥.
٧ سورة المعارج: من الآية ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>