"تلم بشاعر الشمال الإفريقي محمد العيد آل خليفة، في هذا العهد الأخير نوبة نفسية غريبة عن شعراء المادة، وما هو منهم، ولا هم منه، وكان من آثار هذه النوبة في نفسه إيثاره للعزلة عن الناس، وهجره لقول الشعر، وكان من ثمراتها المرة للأمة حرمانها من صوت ذلك الطائر الغريد، وهي تخشى أن تحتد هذه النوبة وتشتد، فتنعكس إلى نزعة صوفية جارفة تقضي على تلك الشاعرية الجياشة بكل شاردة من الحكم، الفياضة بكل بديع من القول- حرام أن تحرم الجزائر من نفثات شاعرها الفذ وحرام أن يبقى شعر ذلك الشعر الفحل غير مدون ولا مطبوع ولكن من المسؤول عن ذلك؟ المسؤول الأول هو الشاعر نفسه فقد أردناه على جمع شعره، وكفيناه مؤنة التصحيح والتعليق والإنفاق، فأبى وتصعب، وتفشى العنر منه وتشعب، وما ذلك في نظرنا إلا أثر من أثار تلك الحالة النفسية التي أشرنا إليها. وهذه القصيدة جديدة مملوءة بالحكم، ترسلها قريحة الشاعر العبقري في الوقت الذي يرجع فيه الحجاج من الحجاز، يهنئ فيها المستحقين بقبول التوبة، وسلامة الأوبة، ويتخلص إلى أفانين من الحكمة والوصف، وليس كل الحجاج يستحقون هذه التهنئة، فمنهم من حج زورا، وعمل منزورا، ورجع موزورا، وأهدى بدنة فكأنما قرب زرزورا. ولكن التجليات التي غمرت الشاعر، ففاضت قريحته بهذه القصيدة هي التجليات الزمنية. فهذا الوقت هو زمن رجوع الحجاج إلى مواطنهم بلا فرق بين الشرق والغرب، ولا فرق بين البار والفاجر، يهنئ الحجاح ولم يهنئ العير، ونوى أصحاب الجنة ولم ينو أصحاب السعير. والدعوات المرسلة تطير إلى أهليها، والصفات المطلقة تتوزع على مستحقيها، ولا جناح على الداعي، ولا على الواصف. وأن عسى أن تنجلى هذه النوبة فيعود محمد العيد إلى عهد استوح شعرك من حنايا الأضلع .. وإلى عهد: (حي حفلا كزخرف الروض عنى ...*...) فمتى تعود تلك العهود؟