إلى ولدي الروحي الأستاذ محمد العيد ولدي طالما قرأت في وجهك الشاحب آيات الحزن، وتلمحت ني قسماتك دلائل الهم والأسى، وحركتك بمعاريض من القول، علني استبين شيئا من حقيقة هذا الهم الدفين الذي تنطوي عليه أحشاؤك، وهذا الأسى المبرح الذي أعلم أنك تقاسيه، فكنت كمن يستجلي المعنى الدقيق من اللفظ المعقد. وأن بين التعقيد ونفوس الشعراء (الأتقياء) نسبا وثيقا. ويا لله للنفوس الشاعرة التقية وما تلاقيه من عناء ممض، يتلقاها الشعر إطلاقا فيتقاضاها التقي تقييدا ...*.... لها الله، فماذا تفعل؟ أتظن أننا جاهلون بهذه المنازع العجيبة التي تترعها في شعرك وبمآسيك من نفسك، فاحمد الله، على أن في قومك من يعرفها ويتذوقها ويطرب لها.؟ ما لهذه النفس الكبيرة في هذا الهيكل الصغير، يهفو بها الشعر في مضطربه الواسع، فلا يبلغ مداه حتى يقول: خلا القلب من حب العباد وبغضهم ...*... وأصبح بيتا للذي حرم البيتا ويقولا: وتبت يا رب تبت؟؟ ويقول اليوم: ولولا رجاء الذي ...*... إليه أنا زالف إنها وأبيك- لنزعة الشعر تعتلج في الفؤاد بنزعة التقي، طالما سعت منك كلمة (اليأس) وبودي أن لا أسمعها منك مرة أخرى، لأنني أعدها غميزة في شاعريتك. ولولا شذوذ نعرفه في نفوس الشعراء كأنه من معاني كمالهم، لما صدقنا باجتماع اليأس والشعر. وكيف ييأس الشاعر؟ يو ملك مملكة الآمال، وسلطان جو الخيال.