للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ شُعْبَةُ: «لاَ يَجِيئُكَ الحَدِيثُ الشَّاذُّ إِلاَّ مِنَ الرَّجُلِ الشَّاذِّ» (١).

ولقد قَيَّضََ اللهُ للرواية علماء أعلامًا شَدَّدُوا في أمرها، وكانوا في تشددهم حكماء، فلم ينقلوا إلا الصحيح. والصحيح لا يعرف بروايته فقط، وإنما يعرف بالفهم والحفظ وكثرة السماع (٢). ومن الطبيعي إذن أن يُحَذِّرَ عبد الله بن المبارك من كتابة الحديث أو سماعه عن غلاط لا يرجع، وَكَذَّابٍ، وصاحب بدعة وهوى يدعو إلى بدعته، ورجل لا يحفظ فَيُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ (٣).

ويريدون بعدالة الراوي استقامة التامة في شؤون الدين، وسلامته من الفسق كله، وسلامته من خوارم المروءة (٤). وقد عَرَّفَ الخطيب البغدادي العدل بأنه «مَنْ عُرِفَ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَلُزُومِ مَا أُمِرَ بِهِ، وَتَوَقِّي مَا نُهِيَ عَنْهُ، وَتَجَنُّبِ الْفَوَاحِشِ الْمُسْقِطَةِ، وَتَحَرِّي الْحَقِّ وَالْوَاجِبِ فِي أَفْعَالِهِ وَمُعَامَلَتِهِ، وَالتَّوَقِّي فِي لَفْظِهِ [مَا] يَثْلِمُ الدِّينَ وَالْمُرُوءَةَ، فَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالَهُ فَهُوَ الْمَوْصُوفُ بِأَنَّهُ عَدْلٌ فِي دِينِهِ، وَمَعْرُوفٌ بِالصِّدْقِ فِي حَدِيثِهِ» (٥).

وَفَرَّقُوا بين تعديل الراوي وتزكية الشاهد. وإذا كانت التزكية لا تقبل إلا بشهادة رجلين فتعديل الراوي يثبت بِمُعَرِّفٍ وَاحِدٍ، سواء أكان ذكرًا أم أنثى، حُرًّا أَمْ عَبْدًا، شريطة أن يكون في نفسه عَدْلاً مَرْضِيًّا (٦). وهذا


(١) " الكفاية ": ص ١٤١.
(٢) " معرفة علوم الحديث ": ص ٥٩.
(٣) " الكفاية ": ص ١٤٣. وراجع في هذه الصفحة ذاتها من " الكفاية " أقوال العلماء في ترك الاحتجاج بمن كثر غلطه، وكان الوهم غالبًا على روايته.
(٤) قارن بـ " توضيح الأفكار ": ٢/ ١١٨.
(٥) " الكفاية ": ص ٨٠.
(٦) " توضيح الأفكار ": ٢/ ١٢١ وقارن بـ " الفروق " للقرافي: ١/ ٥ - ٢٢، ط. تونس.