للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أثر هذه الرحلات في توحيد النصوص والتشريعات:

وإذا كان هؤلاء المشهورون بالطلب والرحلة (١) قد وثَّقُوا الأواصر بين بلدان العالم الاسلامي فذلك أمر واضح تفرضه طبائع الأشياء، وما كانت النتيجة لتتم على غير هذه الصورة، لأنَّ طواف الكثير منهم بالأقاليم ربط بين المشرق والمغرب (٢)، وألغى السدود والحدود، وجعل هذا العالم الاسلامي أشبه بالمدينة الواحدة، تنطوي قلوب أبنائها جميعا على مبادئ واحدة وتعاليم مماثلة. بيد أنَّ أثر هذه الرحلات كان في الحديث نفسه - نصاً وروحاً - أبلغ منه في أمصار: فلقد كانت هذه الرحلات تمهيداً لطبع الحديث بطابع مشترك تتماثل فيه النصوص والتشريعات، وإنْ كانت أصول روايتها مختلفة المصادر حين تفرد بها أول الأمر إقليم واحد لم يَشْرَكه أحد. وكان


(١) " معجم البلدان " لياقوت: ٣/ ٥٢٨ أثناء الحديث عن طرطوس ومن خرجت من مشاهير المُحَدِّثِينَ.
(٢) لأنَّ العلماء - بتنقلهم في الأمصار الإسلامية - لم يجدوا الفرصة للاستقرار في بلدهم ن فبينا يكون أحدهم في العراق إذا هو في الشام، وما يكاد يحل في الشام حتى يرحل إلى الأندلس، وفيما هو في الأندلس إذا هو في مصر. ويكثر في كتب الطبقات والتراجم نسبة الحافظ إلى بلده والإشارة إلى البلد الذي نزله: فنزار بن عبد العزيز بغدادي قدم مصر (" تاريخ بغداد ": ١٣/ ٤٣٧) ونائل بن نجيح الحنفي بصري ورد بغداد (" تاريخ بغداد ": ١٣/ ٤٣٤) وعلي بن معبد الرقي نزيل مصر (" [تذكرة] الحفاظ ": ٢/ ٥٥٠). والجوزجاني نزيل دمشق (" [تذكرة] الحفاظ ": ٢/ ٥٤٩) وابن واصل السدوسي البصري نزيل بغداد (" [تذكرة] الحفاظ ": ١/ ٣١٣) وعلي بن سعد العسكري نزيل الري (" [تذكرة] الحفاظ ": ٢/ ٧٤٩) وأحمد بن عبد الله العجلي الكوفي نزيل طرابلس الغرب (" الحفاظ ": ٢/ ٥٦٠) ومكي بن إبراهيم البلخي قدم بغداد (" [تاريخ] بغداد ": ١٣/ ١١٨).