للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في حياته يقولون: السلام عليك) ، وإما أنهم يخاطبونه، فهو في مماته كهو حال بعدهم عنه في حياته؛ إذ هو حي في قبره يصلي كما يأتي «١» .

ووصف أولا بالنبوة هنا، ثم بالرسالة آخر التشهد؛ لأنهما كذلك وجدتا في الخارج لتقدم نبوته على رسالته بنحو ثلاث سنين، كما بينته في أول «شرح الشمائل» «٢» .

وقدم السلام على الصلاة هنا عكس الآية؛ لأن الغرض المقصود منها التعليم والإتيان بالمأمور به، وذلك يبدأ فيه بالأهم الأحق بالمعرفة والفعل، وهو الصلاة؛ لأنها لعلوّ مقامها اختصت بالله تعالى وملائكته، ولأنها تستلزم السلام بمعنى التحية بخلاف السلام؛ فإن من معانيه ما لا يتأتى في حق الله تعالى وملائكته، وهو الانقياد والإذعان كما مرّ، وأيضا: فهو لا يستلزم الصلاة، فكان دونها في الرتبة.

ومبنى الصلاة ذات الأركان على أنه يترقى فيها من الأدنى إلى الأعلى في كل مقام من مقاماتها، وتشهّدها الأخير هو غايتها، فبدىء فيه بالثناء على الله تعالى بأكمل الأوصاف وأجمعها، وهو إثبات التحيات وما بعدها لله تعالى على الوجه الأكمل الأبلغ، وهذا هو الغاية المطلوبة من الصلاة بالنسبة إلى تعظيم الله سبحانه وتعالى والخضوع [له] .


(١) قول المصنف رحمه الله تعالى: (كهو حال بعدهم) .. كثيرا ما يستعمله الفقهاء، وهو قليل، فإن الكاف لا تجرّ إلا الظاهر فقط، وجرها ضمير الغائب المرفوع والمنصوب.. شاذ من جهتين: كون مدخولها ضميرا، وكون ذلك الضمير ضمير رفع أو نصب. انظر «حاشية الصبان على الأشموني» (٢/ ٢٠٩) .
(٢) قال المؤلف رحمه الله تعالى في كتابه «أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل» (ص ٤٦) بعد أن ساق قصة نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم في غار حراء، وفتور الوحي بعد ذلك ثلاث سنين، ثم نزول (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) : (وبان بما تقرر أن نبوته كانت متقدمة على رسالته، وبه صرح أبو عمر وغيره، وعليه يحمل قول صاحب «الأصول» : «الصحيح عند أهل العلم بالأثر أنه بعث على رأس ثلاث وأربعين سنة» اهـ فكان في (اقرأ) نبوته، وفي (المدثر) رسالته بالنذارة والبشارة والتشريع؛ لأن هذا قطعا متأخر عن الأول) .

<<  <   >  >>