للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منه زاوية على الأرض مساوية للزاوية الحاصلة من الخط الخارج من الماء إلى قرص الشمس، بحيث لا يكون أوسع منها ولا أضيق، وهذا لا يمكن إلا في موضع مخصوص من الجدار، فكما أن المناسبات الوضعية تقتضي الاختصاص بانعكاس النور، فالمناسبات المعنوية العقلية تقتضي ذلك أيضا في الجواهر المعنوية، ومن استولى عليه التوحيد.. فقد تأكدت مناسبته مع الحضرة الإلهية، وأشرق عليه النور من غير واسطة، ومن استولى عليه السنن، والاقتداء به صلى الله عليه وسلم، ومحبته ومحبة أتباعه، ولم تترسخ قدمه في ملاحظة الوحدانية.. لم تستحكم مناسبته إلا مع الواسطة، فافتقر إلى واسطة، في اقتباس النور، كما يفتقر الحائط الذي ليس مكشوفا للشمس إلى واسطة الماء المكشوف للشمس.

وإلى مثل هذا ترجع حقيقة الشفاعة في الدنيا، فالوزير الأقرب لملك..

يحمله على العفو عن جرائم أصحابه، لا لمناسبة بينهم وبين الملك، بل بينهم وبين الوزير المناسب للملك، ففاضت عليهم العناية بواسطة الوزير لا بأنفسهم، ولو ارتفعت الواسطة.. لم تشملهم العناية أصلا؛ لأن الملك لا يعرفهم، ولا يعرف اختصاصهم بالوزير إلا بتعريفه وإظهاره الرغبة في العفو عنهم، فسمّي لفظه من التعريف إظهارا للرغبة: شفاعة مجازا، وإنما الشفيع مكانته عند الملك، واللفظ لإظهار الغرض، والله سبحانه وتعالى مستغن عن التعريف، ولو عرف الملك حقيقة اختصاص غلام الوزير به.. لاستغنى عن التعريف، وحصل العفو بشفاعة لا نطق فيها ولا كلام، والله سبحانه وتعالى عالم به، ولو أذن للأنبياء عليهم الصلاة والسلام بما هو معلوم له.. لكانت ألفاظهم أيضا ألفاظ الشفعاء.

وإذا أراد الله تعالى أن يمثل حقيقة الشفاعة بمثال يدخل في الحسّ والخيال.. لم يكن ذلك التمثيل إلا بألفاظ مألوفة في الشفاعة، ويدلّك على انعكاس النور بطريق المناسبة: أن جميع ما ورد من الأخبار عن استحقاق الشفاعة معلّق بما يتعلّق به صلى الله عليه وسلم من صلاة عليه، أو زيارة

<<  <   >  >>