للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قدر أنها لم تتيسر له فقد يسر الله له من الدنيا ما هو أنفع له مما ناله بغير التقى؛ فإن طيب العيش ونعيم القلب، ولذة الروح وفرحها وابتهاجها من أعظم نعيم الدنيا، وهو أجل من نعيم أرباب الدنيا بالشهوات واللذات، وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} فأخبر أنه ييسر على المتقي ما لا ييسر على غيره. وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} وهذا أيضًا ييسر عليه بتقواه. وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} وهذا يتيسر عليه بإزالة ما يخشاه، وإعطائه ما يحبه ويرضاه. وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ}، وهذا تيسير بالفرقان المتضمن النجاة والنصر والعلم، والنور الفارق بين الحق والباطل، وتكفير السيئات ومغفرة الذنوب، وذلك غاية التيسير. وقال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} والفلاح غاية اليسر، كما أن الشقاء غاية العسر. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} فضمن لهم سبحانه بالتقوى ثلاثة أمور: أحدها: أعطاهم نصيبين من رحمته: نصيبًا في الدنيا، ونصيبًا في الآخرة، وقد يضاعف لهم نصيب الآخرة فيصير نصيبين. الثاني: أعطاهم نوراً يمشون به في الظلمات. الثالث: مغفرة ذنوبهم، وهذا غاية التيسير؛ فقد جعل سبحانه التقوى سببًا لكل يسر، وترك التقوى سببًا لكل عسر" (١).

سادسًا: السلامة من المخاوف والأمان من المتالف، ونيل سعادة الدارين، قال تعالى: {فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأعراف: ٣٥].


(١) التبيان في أقسام القرآن، لابن القيم (٢/ ٥٨).

<<  <   >  >>