للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: ٢٤]، أو نقصان الدّرجة بالنّسبة، وإن كان مائلاً فخوفه من سوء فعله. وينفعه ذلك مع النّدم والإقلاع؛ فإنّ الخوف ينشأ من معرفة قبح الجناية والتّصديق بالوعيد عليها، وأن يحرم التّوبة، أو لا يكون ممّن شاء اللّه أن يغفر له، فهو مشفق من ذنبه طالب من ربّه أن يدخله فيمن يغفر له" (١).

ومما ظهر في هذا العصر أن هناك قومًا طغت عليهم الدنيا وفتنتهم زخارفها فصاروا يفرون من مواعظ التخويف، ويعدون ذلك مما يكدر على الناس حياتهم التي مُلئت باللهو والغفلة، ويحول بينهم وبين الاطمئنان إلى متعهم!!

وسبحان الله! فكيف يصلح قلب لا يسكنه الخوف، وكيف يستقيم سير ويصل بصاحبه إلى الغاية العليا وليس حاديه الخوف والرجاء؟ لقد كان الصالحون مع استقامة سيرهم وكثرة قربهم يطلبون المذكِّرين بالتخويف؛ حتى يزدادوا جِدّاً إلى جدهم.

عن كعب قال: قال لي عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه يومًا وأنا عنده: "يا كعب، خوّفنا. قال: فقلت: يا أمير المؤمنين أو ليس فيكم كتاب اللّه وحكمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: بلى. ولكن يا كعب، خوّفنا. قال: قلت: يا أمير المؤمنين، اعمل عمل رجل لو وافيت القيامة بعمل سبعين نبيّا لازدرأت (٢) عملك ممّا ترى" (٣).

أوَ لا يعرف أولئك الهاربون من الوعظ بالتخويف أن الخوف من الله ومما عنده ينير للعبد طريقه إلى ربه حينما تتكاثف في طريقه ظلمات الشهوات والغفلة، ويبصره بعيوبه حتى يصلحها، وبذنوبه حتى يتوب منها، وبتقصيره في الطاعات حتى يترك التقصير وينشط في الطاعة؟

قال أبو حفص: " الخوف سراج في القلب يبصر به ما فيه من الخير والشرّ. وكلّ واحد


(١) فتح الباري لابن حجر (١٨/ ٣٠٦).
(٢) لانتقصت.
(٣) الزهد، لابن حنبل (ص: ١٢١).

<<  <   >  >>