للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أقبل كأنه أقبل من دفن حميمه، وإذا جلس كأنه أسير ستضرب عنقه، وإذا ذكرت النار فكأنما لم تخلق إلا له" (١).

وقال عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه: "إنّ المؤمن يرى ذنوبه كأنّه جالس في أصل جبل يخشى أن ينقلب عليه، وإنّ الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه، فقال به هكذا" (٢).

عن الحسن قال: "لقد مضى بين يديكم أقوام لو أنّ أحدهم أنفق عدد هذا الحصى لخشي أن لا ينجو من عظم ذلك اليوم! " (٣).

إن الخوف عبادة من أعظم العبادات وقربة من أجل القربات؛ لأنه يدعو إلى امتثال الأوامر وترك النواهي، عن وهب بن منبّه قال: "ما عُبد اللّه بمثل الخوف" (٤).

والخوف " من المقامات العليّة، وهو من لوازم الإيمان، قال تعالى: {وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: ١٧٥]، وقال تعالى: {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة: ٤٤]، وقال تعالى: {إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ} (فاطر/ ٢٨)، وقال صلّى اللّه عليه وسلّم: (أنا أعلمكم باللّه وأشدّكم له خشية). وكلّما كان العبد أقرب إلى ربّه كان أشدّ له خشية ممّن دونه، وقد وصف اللّه تعالى الملائكة بقوله: {يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: ٥٠]، والأنبياء بقوله: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ} [الأحزاب: ٣٩]. وإنّما كان خوف المقرّبين أشدّ؛ لأنّهم يطالبون بما لا يطالب به غيرهم فيراعون تلك المنزلة، ولأنّ الواجب للّه منه الشّكر على المنزلة فيضاعف بالنّسبة لعلوّ تلك المنزلة، فالعبد إن كان مستقيمًا فخوفه من سوء العاقبة لقوله تعالى: {يَحُولُ بَيْنَ


(١) مواعظ ابن الجوزي (ص: ١١).
(٢) حلية الأولياء، لأبي نعيم (٤/ ١٢٩).
(٣) الزهد، لابن المبارك (ص: ٥١).
(٤) التخويف من النار، لابن رجب (٧).

<<  <   >  >>