للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كالسَّمائم (١) " (٢).

وقال أيضًا: " والمقصود أن الغفلة هي نوم القلب عن طلب هذه الحياة وهي حجاب عليه، فإن كشف هذا الحجاب بالذكر وإلا تكاثف حتى يصير حجاب بطالة ولعب واشتغال بما لا يفيد، فإن بادر إلى كشفه وإلا تكاثف حتى يصير حجاب معاص وذنوب صغار تبعده عن الله، فإن بادر إلى كشفه وإلا تكاثف حتى يصير حجاب كبائر توجب مقت الرب تعالى له وغضبه ولعنته، فإن بادر إلى كشفه وإلا تكاثف حتى صار حجاب بدع عملية يعذب العامل فيها نفسه ولا تجدي عليه شيئًا، فإن بادر إلى كشفه وإلا تكاثف حتى صار حجاب بدع قولية اعتقادية تتضمن الكذب على الله ورسوله والتكذيب بالحق الذي جاء به الرسول، فإن بادر إلى كشفه وإلا تكاثف حتى صار حجاب شك وتكذيب يقدح في أصول الإيمان الخمسة وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه فلغلظ حجابه وكثافته وظلمته وسواده لا يرى حقائق الإيمان ويتمكن منه الشيطان يعده ويمنِّيه، والنفس الأمارة بالسوء تهوى وتشتهي، وسلطان الطبع قد ظفر بسلطان الإيمان فأسره وسجنه إن لم يهلكه، وتولى تدبير المملكة واستخدام جنود الشهوات وأقطعها العوائد التي جرى عليها العمل، وأغلق باب اليقظة وأقام عليه بواب الغفلة وقال: إياك أن نؤتى من قبلك، واتخذ حجاباً من الهوى وقال: إياك أن تمكن أحداً يدخل عليّ إلا معك، فأمر هذه المملكة قد صار إليك وإلى البواب، فيا بواب الغفلة، ويا حاجب الهوى، ليلزم كل منكما ثغره، فإن أخليتما فسد أمر مملكتنا، وعادت الدولة لغيرنا، وسامنا سلطان الإيمان شر الخزي والهوان، ولا نفرح بهذه المدينة أبداً" (٣).

ثالثًا: الاهتمام بإصلاح القلب وحراسته؛ فهو محل الغفلة أو اليقظة، فالاعتناء بالمكان ومراقبة ما يحل فيه يجعله في مأمن من النزلاء المضرين، واللصوص المعتدين. ويتم


(١) جمع سموم، وهي: الريح الحارة. الصحاح للجوهري (٦/ ٢٣٢).
(٢) أسرار الصلاة، لابن القيم (ص: ٣).
(٣) مدارج السالكين، لابن القيم (٣/ ٢٨٦).

<<  <   >  >>