للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال: " لابد من سِنة الغفلة ورقاد الهوى، ولكن كن خفيف النوم؛ فحراس البلد يصيحون: دنا الصباح" (١).

ثانيًا: ذكر الله تعالى والإقبال عليه؛ فإن مداومة ذكره سبحانه دواء ناجع من داء الغفلة، خصوصًا إذا توافق القلب واللسان، ولم يكن اللسان مجرد تالٍ يردد الذكر من غير ظهور أثر على الجوارح عملاً بالأوامر وتركًا للنواهي. ومن أعظم الذكر: قراءة القرآن الكريم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين) (٢) (٣).

قال ابن الجوزي: " لا تقدر على التخلص من بلوى المعصية الا بالتخلص من سجن الغفلة، ولا تتخلص من الغفلة الا بتضمير البطن وتفريغ القلب ومواصلة الذكر" (٤).

وقال ابن القيم: " فالقلب الغافل مأوى الشيطان؛ فإنه وسواس خناس قد التقم قلب الغافل يقرأ عليه أنواع الوساوس والخيالات الباطلة، فإذا تذكر وذكر الله انجمع وانضم وخنس وتضاءل لذكر الله، فهو دائمًا بين الوسوسة والخنس" (٥).

وقال: " فالقحط الذي ينزل بالقلب هو الغفلة، فالغفلة هي قحط القلوب وجدبها، وما دام العبد في ذكر الله والإقبال عليه فغيث الرحمة ينزل عليه كالمطر المتدارك، فإذا غفل ناله من القحط بحسب غفلته قلة وكثرة، فإذا تمكَّنت الغفلة منه، واستحكمت صارت أرضه خرابًا ميتة، وسنته جرداء يابسة، وحريق الشهوات يعمل فيها من كل جانب


(١) الفوائد، لابن القيم (ص: ٤١).
(٢) أي: أُعْطِي قِنْطاراً من الأجر. النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (٤/ ١٨٩).
(٣) رواه أبو داود (١/ ٥٢٨)، وابن خزيمة (٢/ ١٨١)، وهو صحيح.
(٤) التذكرة في الوعظ، لابن الجوزي (ص: ٥٤).
(٥) مفتاح دار السعادة، لابن القيم (١/ ١١٣).

<<  <   >  >>