للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أو النوم الخفيف الذي يسهل إيقاظ صاحبه، أما إذا تمكنت منه فعلاجها شديد، وتكون كالنوم الثقيل الذي لا يستيقظ منه صاحبه إلا بعد زمن وكُلفة. قال ابن الجوزي: " لا نوم أثقل من الغفلة، ولا رِقَّ أملك من الشهوة، ولولا ثقل الغفلة لم تظفر بك الشهوة" (١).

فمن الأدوية:

أولاً: سرعة الانتباه لمرض الغفلة قبل استحكامه، والمبادرة إلى علاجه وإن استفحل الداء، وعدم التساهل أو التأخر في مداواته. وهذا أولى خطوات العلاج؛ فشعور المريض بالمرض يعينه على النهوض للاستشفاء، فأما من لم يشعر بمرضه فأنى له التداوي؟

قال ابن القيم: " فاعلم أن العبد قبل وصول الداعي إليه في نوم الغفلة قلبه نائم وطرفه يقظان، فصاح به الناصح وأسمعه داعي النجاح، وأذن به مؤذن الرحمن حي على الفلاح، فأول مراتب هذا النائم اليقظة والانتباه من النوم" (٢). وقال أيضًا: " فأول منازل العبودية اليقظة، وهي انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين، ولله ما أنفع هذه الروعة، وما أعظم قدرها وخطرها، وما أشد إعانتها على السلوك! فمن أحس بها فقد أحس والله بالفلاح، وإلا فهو في سكرات الغفلة، فإذا انتبه شمر لله بهمته إلى السفر إلى منازله الأولى وأوطانه التي سُبي منها:

فحيّ على جنات عدْنٍ فإنها … منازلُك الأولى وفيها المخيَّمُ

ولكننا سبيُ العدو فهل تُرى … نعودُ إلى أوطاننا ونُسلَّم

فأخذ في أهبة السفر، فانتقل إلى منزلة العزم، وهو العقد الجازم على المسير، ومفارقة كل قاطع ومعوِّق، ومرافقة كل معين وموصل، وبحسب كمال انتباهه ويقظته يكون عزمه، وبحسب قوة عزمه يكون استعداده" (٣)


(١) صفة الصفوة، لابن الجوزي (٤/ ١٦٤).
(٢) مدارج السالكين، لابن القيم (١/ ١٤٠).
(٣) المرجع السابق (١/ ١٢٣).

<<  <   >  >>