للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فجاسوا خلال الديار وقتلوا الرجال وسبوا الذراري والنساء، وأحرقوا الديار ونهبوا الأموال ثم بعثهم عليهم مرة ثانية فأهلكوا ما قدروا عليه وتبروا ما علو تتبيرا؟ وما الذي سلط عليهم أنواع العذاب والعقوبات مرة بالقتل والسبي وخراب البلاد، ومرة بجور الملوك، ومرة بمسخهم قردة وخنازير، وآخر ذلك أقسم الرب تبارك وتعالى ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب … عن جبير بن نفير قال: لما فتحت قبرص فرق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، فرأيت أبا الدرداء جالسًا وحده يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء، ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك يا جبير، ما أهون الخلق على الله عز و جل إذا أضاعوا أمره! بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى!! " (١).

قال ابن القيم: " يا مغروراً بالأماني لُعن إبليس، وأُهبط من منزل العز بترك سجدة واحدة أُمر بها، وأُخرج آدم من الجنة بلقمة تناولها، وحُجب القاتل عنها بعد أن رآها عيانًا بملء كف من دم، وأمر بقتل الزاني أشنع القِتلات بإيلاج قدر الأنملة فيما لا يحل، وأمر بإيساع الظهر سياطاً بكلمة قذف أو بقطرة سكر، وأبان عضواً من أعضائك بثلاثة دراهم! فلا تأمنه أن يحبسك في النار بمعصية واحدة من معاصيه، {وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا}. دخلت امرأة النار في هرة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب، وإن الرجل ليعمل بطاعة الله ستين سنة فإذا كان عند الموت جار في الوصية فيختم له بسوء عمله فيدخل النار، العمر بآخره، والعمل بخاتمته، من أحدث قبل السلام بطل ما مضى من صلاته، ومن أفطر قبل غروب الشمس ذهب صيامه ضائعًا، ومن أساء في آخر عمره لقي ربه في ذلك الوجه" (٢).

وقال ابن كثير: "قيل في بعض كتب الله: تزرعون السيئات وترجون الحسنات! لا


(١) الجواب الكافي، لابن القيم (ص: ٢٦).
(٢) الفوائد، لابن القيم (ص: ٦٣).

<<  <   >  >>