عدوه آلمه ذلك، فإذا انتصف منه اشتفى قلبه، قال تعالى:{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[التوبة: ١٤، ١٥]. فأمر بقتال عدوهم وأعلمهم أن فيه ست فوائد. فالغيظ يؤلم القلب ودواؤه في شفاء غيظه؛ فإن شفاه بحق اشتفى وإن شفاه بظلم وباطل زاده مرضاً من حيث ظن أنه يشفيه .. وكذلك الغم والهم والحزن أمراض للقلب وشفاؤها بأضدادها: من الفرح والسرور؛ فإن كان ذلك بحق اشتفى القلب وصح وبرئ من مرضه، وإن كان بباطل توارى ذلك واستتر ولم يزل وأعقب أمراضًا هي أصعب وأخطر. وكذلك الجهل مرض يؤلم القلب، فمن الناس من يداويه بعلوم لا تنفع، ويعتقد أنه قد صح من مرضه بتلك العلوم وهي في الحقيقة إنما تزيده مرضًا إلى مرضه، لكن اشتغل القلب بها عن إدراك الألم الكامن فيه بسبب جهله بالعلوم النافعة التي هي شرط في صحته وبرئه قال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في الذين أفتوا بالجهل فهلك المستفتي بفتواهم:(قتلوه، قتلهم الله! ألا سألوا إذ لم يعلموا؛ فإنما شفاء العِيِّ السؤال). فجعل الجهل مرضًا وشفاءه سؤال أهل العلم، وكذلك الشاك في الشيء المرتاب فيه يتألم قلبه حتى يحصل له العلم واليقين، ولما كان ذلك يوجب له حرارة قيل لمن حصل له اليقين: ثلج صدره، وحصل له برد اليقين، وهو كذلك يضيق بالجهل والضلال عن طريق رشده وينشرح بالهدى والعلم قال تعالى:{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}[الأنعام: ١٢٥] .... والمقصود: أن من أمراض القلوب ما يزول بالأدوية الطبيعية، ومنها مالا يزول إلا بالأدوية الشرعية الإيمانية، والقلب له حياة وموت ومرض وشفاء، وذلك أعظم مما للبدن" (١).