للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شفاء القلوب؛ " فإنها اشتملت عليه أتم اشتمال؛ فإن مدار اعتلال القلوب وأسقامها على أصلين: فساد العلم، وفساد القصد، ويترتب عليهما داءان قاتلان وهما: الضلال والغضب؛ فالضلال نتيجة فساد العلم، والغضب نتيجة فساد القصد، وهذان المرضان هما ملاك أمراض القلوب جميعها، فهداية الصراط المستقيم تتضمن الشفاء من مرض الضلال؛ ولذلك كان سؤال هذه الهداية أفرضَ دعاءٍ على كل عبد وأوجبه عليه كل يوم وليلة في كل صلاة؛ لشدة ضرورته وفاقته إلى الهداية المطلوبة ولا يقوم غير هذا السؤال مقامه … (١).

وتفصيل علاج تلك الأمراض أن منها علاجًا شرعيًا وعلاجًا طبيعيًا، قال ابن القيم: "مرض القلب نوعان: نوع لا يتألم به صاحبه في الحال .. كمرض الجهل ومرض الشبهات والشكوك ومرض الشهوات، وهذا النوع هو أعظم النوعين ألماً، ولكن لفساد القلب لا يحس بالألم، ولأن سكرة الجهل والهوى تحول بينه وبين إدراك الألم، وإلا فألمه حاضر فيه حاصل له، وهو متوارٍ عنه باشتغاله بضده، وهذا أخطر المرضين وأصعبهما، وعلاجه إلى الرسل وأتباعهم، فهم أطباء هذا المرض.

والنوع الثاني: مرض مؤلم له في الحال؛ كالهمِّ والغم والغيظ، وهذا المرض قد يزول بأدوية طبيعية؛ كإزالة أسبابه أو بالمداواة بما يضاد تلك الأسباب وما يدفع موجبها مع قيامها، وهذا كما أن القلب قد يتألم بما يتألم به البدن ويشقى بما يشقى به البدن فكذلك البدن يتألم كثيراً بما يتألم به القلب ويشقيه ما يشقيه.

وأمراض القلب التي تزول بالأدوية الطبيعية من جنس أمراض البدن، وهذه قد لا توجب وحدها شقاءه وعذابه بعد الموت، وأما أمراضه التي لا تزول إلا بالأدوية الإيمانية النبوية فهي التي توجب له الشقاء والعذاب الدائم إن لم يتداركها بأدويتها المضادة لها، فإذا استعمل تلك الأدوية حصل له الشفاء؛ ولهذا يقال: شفى غيظه فإذا استولى عليه


(١) مدارج السالكين، لابن القيم (١/ ٥٢).

<<  <   >  >>