للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كما قال في موضع آخر: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: ٣٧]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: ٢٤]. فأخبر سبحانه وتعالى أن حياتنا إنما هي باستجابتنا لما يدعونا إليه الله والرسول من العلم والإيمان فعلم أن موت القلب وهلاكه بفقد ذلك" (١).

ولهذا فإن حياة القلب هي الطريق إلى الوصول إلى الله تعالى، والتنعم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فمن كان أتم حياة في قلبه كان أتم حياة في دنياه وآخرته. قال يحيى بن معاذ: "مفاوز الدنيا تقطع بالأقدام، ومفاوز الآخرة تقطع بالقلوب وقال أيضًا: "يا ابن آدم، لا يزال دينك متمزقا، ما دام القلب بحب الدنيا متعلقا" وقال كذلك: "ما ركن إلى الدنيا أحد إلا لزمه عيب القلوب، ولا مكن الدنيا من نفسه أحد إلا وقع في بحر الذنوب" (٢).

وقال ابن الجوزي: " واعلم أن الطريق الموصلة إلى الحق سبحانه ليست مما يقطع بالأقدام، إنما يقطع بالقلوب، والشهواتُ العاجلة قطّاع الطريق، والسبيل كالليل المدلهم، غير أن عين الموفَّق بصر فرس؛ لأنه يرى في الظلمة كما يرى في الضوء" (٣).

إن حياة القلب لا تكون إلا بتجليته من ظلمات الشهوات والشبهات، وتحليته بحلية التقوى والعلم وإدراك الحق وحبِّه، فـ" حياة القلب وصحته لا تحصل إلا بأن يكون مدركًا للحق مريداً له مؤثراً له على غيره. ولما كان في القلب قوتان: قوة العلم والتمييز، وقوة الإرادة والحب كان كماله وصلاحه باستعمال هاتين القوتين فيما ينفعه ويعود عليه بصلاحه وسعادته، فكماله باستعمال قوة العلم في إدراك الحق ومعرفته والتمييز بينه وبين الباطل، وباستعمال قوة الإرادة والمحبة في طلب الحق ومحبته وإيثاره على الباطل، فمن لم يعرف


(١) المصدر السابق.
(٢) حلية الأولياء، لأبي نعيم (١٠/ ٥٢).
(٣) صيد الخاطر، لابن الجوزي (ص: ٢٧٣).

<<  <   >  >>