للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صلاح القلب، إلا أن يمُزج بالرقائق والنظر في سير السلف الصالحين؛ لأنهم تناولوا مقصود النقل، وخرجوا عن صور الأفعال المأمور بها إلى ذوق معانيها والمرادِ بها" (١).

وقال الخطيب البغدادي رحمه الله: " … قال أبو خليفة: سمعت أبا الوليد يقول: سمعت شعبة يقول: إن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون؟ قال أبو خليفة: يريد شعبة رحمه الله: أن أهله يضيعون العمل بما يسمعون منه، ويتشاغلون بالمكاثرة به، أو نحو ذلك. والحديث لا يصد عن ذكر الله، بل يهدي إلى أمر الله" (٢).

وهذا لا يعني التقليل من شأن الاجتهاد في العلم، ولكنه يعني أن لا يُلهي العلمُ صاحبه عن العمل، فيكون كمن ينشغل عن غايته بإجالة النظر في جمال الطريق إليها فيشغله ذلك عن هدفه الذي يريد الوصول إليه.

وهذا حال بعض المنتسبين للعلم: أن يصبح العلم هو الغاية له، وليس وسيلة إلى صلاح القلب والروح، بحيث ينشغل بجمع المعلومات والمعارف ويكاثر بها غيره فتكون هي مرادَه، فيبقى علمه بذلك في الذهن ولا يصل إلى شغاف القلب ولا تتمثل صوره في العمل؛ كأن يعمل أعمالاً تخالف ما عنده من العلم، فيدخل صاحبه بهذه الحال تحت قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر: ١].

قال ابن القيم رحمه الله: "وإنما وجد هذا التكاثر وإلهاؤه عما هو أولى بكم لمَّا فُقد منكم علمُ اليقين، وهو العلم الذى يصل به صاحبه إلى حد الضروريات التي لا يشك ولا يماري في صحتها وثبوتها، ولو وصلت حقيقة هذا العلم إلى القلب وباشرته لما ألهاه عن موجبه، وترتبِ أثره عليه؛ فإن مجرد العلم بقبح الشيء وسوء عواقبه قد لا يكفي في تركه" (٣).


(١) صيد الخاطر، لابن الجوزي (ص: ١٦١).
(٢) شرف أصحاب الحديث (ص: ١١٤).
(٣) عدة الصابرين، لابن القيم (ص: ١٥٦).

<<  <   >  >>