للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال أيضًا عند هذه الآية: " وأعرض عن ذكر المتكاثَر به؛ إرادةً لإطلاقه وعمومه، وأن كل ما يكاثِر به العبدُ غيره- سوى طاعة الله ورسوله وما يعود عليه بنفع معاده- فهو داخل في هذا التكاثر؛ فالتكاثر في كل شيء من مال أو جاه أو رياسة أو نسوة أو حديث أو علم ولا سيما إذا لم يحتج إليه، والتكاثر في الكتب والتصانيف، وكثرة المسائل وتفريعها وتوليدها، والتكاثر أن يطلب الرجل أن يكون أكثر من غيره" (١).

إن قلة حضور الرقائق وأسباب صلاح القلوب صارت ظاهرة في القراءة واللقاءات العلمية والاجتماعية لدى بعض طلبة العلم والدعاة، فإذا كان هذا هو واقع من يشتغلون بالعلم، فما هو واقع البعيدين عنه، الغارقين في الدنيا وملهياتها، بل كيف حال المسرفين على أنفسهم بالخطايا؟ ما حال قلوبهم ونفوسهم؟ فلهذا لا نستغرب كثرة الذنوب وقسوة القلوب وضعف زكاء النفوس وقلة الرغبة في الآخرة. فأين ما نحن فيه من مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقاءاته؟

قال ابن رجب: "كانت مجالس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه عامتُها مجالس تذكير بالله، وترغيب وترهيب؛ إما بتلاوة القرآن أو بما آتاه الله من الحكمة والموعظة الحسنة، وتعليم ما ينفع في الدين كما أمره الله تعالى في كتابه أن يذكر ويعظ ويقص وأن يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يبشر وينذر وسماه اللهَ {مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب: ٤٥] {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: ٤٦].

وقال العرباض بن سارية: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون. وقال ابن مسعود: نعمَ المجلس المجلس الذي تنشر فيه الحكمة، وتُرجى فيه الرحمة هي مجالس الذكر. وشكا رجل إلى الحسن قساوة قلبه فقال: أدنه من الذكر. وقال: مجلس الذكر محياة العلم، ويحدث في القلب الخشوع. والقلوب الميتة تحيا بالذكر كما تحيا الأرض الميتة بالقطر:


(١) الفوائد، لابن القيم (ص: ٣٠).

<<  <   >  >>