للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بذكرِ الله ترتاحُ القلوبُ … ودنيانا بذِكراه تطيبُ

وأما الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة فبما يحصل في مجالس الذكر من ذكر عيوب الدنيا وذمها والتزهيد فيها، وذكر فضل الجنة ومدحها والترغيب فيها، وذكر النار وأهوالها والترهيب منها، وفي مجالس الذكر تنزل الرحمة وتغشى السكينة وتحف الملائكة، ويذكر الله أهلها فيمن عنده، وهم قوم لا يشقى بهم جليسهم" (١).

فهكذا ينبغي أن تكون مجالسنا ولقاءاتنا، إلا ما دعت الحاجة إلى الحديث عنه من أمور الدنيا.

وإني لما رأيت حاجة قلوبنا إلى الترقيق، ونفوسنا إلى التزكية في واقعٍٍ غلب عليه سلطانُ الشهوات والإعراض عن أسباب سمو الروح؛ استعنت بالله تعالى فكتبت فصولاً في الترغيب والترهيب رأيتها-حسب علمي القاصر- أهمَّ ما يحتاج إليه السالك إلى الله تعالى، وسميت جامع هذه الفصول وسِلْكَها بـ"روضة العابدين" رجاء أن تكون بستان وعظٍ يرِده المسلمُ فيقطف من ثماره أسبابًا لصلاح قلبه، ويشتم من عبيره وسائل لصلاح عمله، وليكون مرجعًا للخطيب والواعظ يفيد منه في خطبه ودروسه.

خاصة أنه ضُمِّن كثيراً من نصوص القرآن والسنة وأقوال الصحابة في هذا الشأن، وأُكثرَ النقلُ فيه عن أئمة السلوك وأطباء القلوب؛ كالحسن البصري، وابن الجوزي، والغزالي، وابن القيم وابن رجب، وغيرهم رحمهم الله أجمعين. ولكلام هؤلاء الأئمة نور يتسلل إلى القلوب فيحدث فيها خيراً كثيراً.

قال ابن رجب: " كان الحسن إذا خرج إلى الناس كأنه رجل عاينَ الآخرة، ثم جاء يخبر عنها، وكانوا إذا خرجوا من عنده خرجوا وهم لا يعدُّون الدنيا شيئاً" (٢).


(١) لطائف المعارف، لابن رجب (ص: ١٥).
(٢) المرجع السابق (ص: ١٧).

<<  <   >  >>