فأقول: ما أحوج الكاتب والقارئ إلى هذه الفصول في الحياة العملية التي ينبغي أن تكون مبنية على خوف الله ورجائه في الفعل والترك، وما أفقرنا إلى حادٍ يقيم القاعد، ويحث السائر، ويسرع بالمبطئ!
وما كتبت هذه السطور إلا لإصلاح النفس أولاً، والنصيحة لغيرها ثانيًا؛ إذ لا يحبس المرءَ تقصيرُه وذنوبه عن النصح والإرشاد لسواه، بل لابد" من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والوعظ والتذكير. ولو لم يعظ إلا معصومٌ من الزلل لم يعظ الناسَ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد؛ لأنه لا عصمة لأحد بعده:
لئن لم يعظِ العاصين من هو مذنبٌ … فمن يعظ العاصين بعد محمدِ!
قيل للحسن: إن فلانًا لا يعظ، ويقول: أخاف أن أقول ما لا أفعل، فقال الحسن: وأينا يفعل ما يقول؟! ودَّ الشيطان أنه ظفر بهذا، فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر. وقال مالك عن ربيعة: قال سعيد بن جبير: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء؛ ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر. قال مالك: وصدق، ومن ذا الذي ليس فيه شيء؟!:
من ذا الذي ما ساءَ قطْ … ومن له الحسنى فقطْ؟
خطب عمر بن عبد العزيز رحمه الله يومًا فقال في موعظته: إني لأقول هذه المقالة وما أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما أعلم عندي، فأستغفر الله وأتوب إليه. وكتب إلى بعض نوابه على بعض الأمصار كتاباً يعظه فيه، وقال في آخره: وإني لأعظك بهذا وإني لكثير الإسراف على نفسي، غير محكم لكثير من أمري.
ولو أن المرء لا يعظ أخاه حتى يحكم نفسه إذاً لتواكل الخير، وإذاً لرُفع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذاً لاستُحلت المحارم، وقلّ الواعظون والساعون لله بالنصيحة في الأرض، والشيطانُ وأعوانه يودون أن لا يأمر أحد بمعروف ولا ينهى عن منكر، وإذا أمرهم أحد أو نهاهم عابوه بما فيه، وبما ليس فيه؛ كما قيل: