والطريق إلى الله كثيرة المخاطر بقطاع الطريق فنهضوا تلك الساعة سائرين مستغلين هجعة لصوص هذه السبيل، داعين اللهَ بالثبات عليها، والنجاة من قطّاعها. والنهار فيه حرارة وصخب وازدحام وانشغال بال فقاموا هذه اللحظات لطيب نسيمها وهدوئها، وتفرغ البال وصفاء الذهن فيها، وسكون القلوب وخضوع الجوارح في أحضانها. والنهار انتشار ورؤية وزحام، وهم يريدون أن يراهم من في السماء وحده، فقاموا تلك الساعة ليراهم الخالق لا ليراهم الخلق، وقاموا في تلك الساعة مسارعين ليكونوا من المتقين:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران: ١٣٣].
في تلك اللحظات المشرقة تقف الأقدام الطاهرة في محراب العبادة، وكلُّ عابد له حادٍ يحدوه إلى ذلك الموقف البهي، وأهل الغفلة عن تلك اللحظات في سبات عميق، فـ" الليل منهل يرده أهل الإرادة كلهم، ويختلفون فيما يردون ويريدون، قد علم كل أناس مشربهم؛ فالمحب يتنعم بمناجاة محبوبه، والخائف يتضرع لطلب العفو ويبكي على ذنوبه، والراجي يلح في سؤال مطلوبه، والغافل المسكين -أحسن الله عزاءه- في حرمانه وفوات نصيبه"(١). فلو درى ذلك الغافل بقدر الغنيمة التي ينالها أولئك القائمون الأخيار لطار عن عينيه النوم، ولهجر جنبه فراش الغفلة والكسل.
فضل صلاة الليل:
إن الصلاة بالليل ليست كالصلاة بالنهار، وإن قراءة القرآن في ذلك الوقت النفيس ليست كالقراءة في غيره من سائر الأوقات، قال ابن رجب: " صلاة الليل أشق على النفوس؛ فإن الليل محل النوم والراحة من التعب بالنهار، فتركُ النوم مع ميل النفس إليه مجاهدة عظيمة، قال بعضهم: أفضل الأعمال ما أُكرهت عليه النفوس. ولأن القراءة في