للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

صلاة الليل أقرب إلى التدبر؛ فإنه تنقطع الشواغل بالليل، ويحضر القلب، ويتواطأ هو واللسان على الفهم؛ كما قال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: ٦]. ولهذا المعنى أمر بترتيل القرآن في قيام الليل ترتيلاً" (١).

"والغرض أن ناشئة الليل هي ساعاته وأوقاته وكل ساعة منه تسمى ناشئة وهي الآنات، والمقصود أن قيام الليل هو أشد مواطأة بين القلب واللسان وأجمع على التلاوة؛ ولهذا قال تعالى: {هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} أي: أجمع للخاطر في أداء القراءة وتفهمها من قيام النهار؛ لأنه وقت انتشار الناس ولغط الأصوات وأوقات المعاش" (٢).

قال الحسن: "ما شيء أجهد على الرجل من مال أنفقه في حق، أو صلاةٍ من جوف الليل" (٣).

ومما يدل على فضل هذه الصلاة العظيمة:

أولاً: أنها أفضل الصلاة بعد المكتوبة

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاةُ في جوف الليل) (٤).

قال المناوي: " لأن الليل وقت السكون والراحة، فإذا صُرف إلى العبادة كانت على النفس أشد وأشق، وللبدن أتعب وأنصب، فكانت أدخل في معنى التكليف، وأفضل عند الله، ذكره الزمخشري. وبالصلاة ليلاً يتوصل إلى صفاء السرور ودوام الشكر، وهي بعد نوم أفضل، والمراد بالجوف هنا: السدس الرابع والخامس فهما أكمل من بقيته؛ لأنه الذي واظب عليه المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولأنه أشق الأوقات استيقاظًا،


(١) المرجع السابق
(٢) تفسير ابن كثير (٤/ ٥٢٤).
(٣) مصنف عبد الرزاق (١١/ ١٠٧).
(٤) رواه مسلم (٢/ ٨٢١).

<<  <   >  >>