للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: (أفلا أحب أن أكون عبدا شكوراً) (١).

وخليفته الصديق رضي الله عنه علت همته وتاقت نفسه لأن يُدعى للدخول إلى الجنة من جميع أبوابها لا من باب واحد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله، هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة) فقال أبو بكر رضي الله عنه: بأبي وأمي يا رسول الله، ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة؟ فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: (نعم، وأرجو أن تكون منهم) (٢).

قال ابن القيم: "لما سمت همة الصديق إلى تكميل مراتب الإيمان، وطمعت نفسه أن يدعى من تلك الأبواب كلها سأل رسول الله: هل يحصل ذلك لأحد من الناس؛ ليسعى في العمل الذي ينال به ذلك، فأخبره بحصوله، وبشره بأنه من أهله، وكأنه قال: هل تكمل لأحد هذه المراتب، فيدعى يوم القيامة من أبوابها كلها، فلله ما أعلى هذه الهمة، وأكبر هذه النفس! " (٣).

إن صغر الهمة يقعد بصاحبه عن المكرمات، ويجعله يؤثر أداني الأمور على أعاليها، ويطلب السهل القريب ولو كان دنيئًا رخيصًا، ويستصعب الشيء الذي يحتاج إلى جد وتعب ولو كان نفيسًا شريفًا. روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "لا تصغرن همتكم؛ فإني لم أر أقعد عن المكرمات من صغر الهمم" (٤). وروي عنه رضي الله


(١) رواه البخاري (٤/ ١٨٣٠)، ومسلم (٤/ ٢١٧٢).
(٢) رواه البخاري (٢/ ٦٧١)
(٣) حادي الأرواح، لابن القيم (ص: ٧٥).
(٤) أدب الدنيا والدين، للماوردي (ص: ٤٠٢).

<<  <   >  >>