للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عنه-: أنه سمع يوم عرفة رجلاً يسأل الناس، فقال: أفي هذا اليوم، وفي هذا المكان تسأل من غير الله؟! فخَفَقَه بالدِّرَّة" (١).

هكذا فكُن:

أما عالي الهمة فإنه يسعى لغايته البعيدة الشريفة حتى يصل إليها، وعلى قدر بذله لها ينال منها. قال الشافعي:

بقدرِ الكدِّ تُكتسبُ المعالي … ومن طلب العلا سهر الليالي

ومن رام العلا من غير كدٍّ … أضاع العمر في طلب المحال

تروم العز ثم تنام ليلاً … يغوص البحرَ مَنْ طلب اللآلي (٢).

وصاحب الهمة العالية لا يرضى لنفسه بالقعود دون غايته المنشودة، والقناعة بما دونها، بل يطلب العلو دائمًا، قال امرؤ القيس:

فلَوْ أَنَّ ما أَسْعَى لأَدْنَى مَعِيشَةٍ … كَفانِي- ولَمْ أَطْلُبْ- قَلِيلٌ مِنْ المالِ

ولكنَّما أَسْعَى لِمَجْدٍ مُؤَثَّلٍ … وقَدْ يُدْركُ المَجْدَ المُؤَثَّلَ أَمْثالي (٣).

وذو الهمة السامية يركب إلى هدفه الغالي كلَّ صعب وذلول، ولا يوقفه عنه لقيا المشقة والتعب؛ فإن نواصي المطالب، وعوالي الرغائب لا تنال إلا بالمشقة.

قال أبو الطيب:

ذَريني أنلْ ما لا يُنالُ من العُلا … فصعبُ العُلا في الصَّعبِ والسَّهلُ في السَّهلِ

تريدينَ لُقيانَ المَعَالي رخيصَةً … ولا بدَّ دونَ الشَّهدِ من إبرِ الَّنحلِ (٤)


(١) جامع الأصول، لابن الأثير (١٠/ ١٦١).
(٢) لآليء اللآليء (ص: ٢٢).
(٣) الحماسة البصرية، لأبي الحسن البصري (ص: ٢٢).
(٤) الحماسة المغربية، الجرّاوي (ص: ٧٠).

<<  <   >  >>