للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال الرازي: "فلا مقصود من جميع التكاليف إلا معرفة ذل العبودية وعز الربوبية، فإذا كان الدعاء مستجمعاً لهذين المقامين لا جرم كان الدعاء أعظم أنواع العبادات" (١).

وقال أيضًا تحت الآية السابقة: من المعلوم بالضرورة أن الإنسان لا ينتفع في يوم القيامة إلا بطاعة الله تعالى، فلذلك كان الاشتغال بالطاعة من أهم المهمات، ولما كان أشرف أنواع الطاعات الدعاء والتضرع لا جرم أمر الله تعالى به في هذه الآية فقال: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (٢).

وقال ابن عبد البر: الدعاء من العبادة؛ لأن فيه الإخلاص والضراعة والإيمان والخضوع، والله يحب أن يُسأل؛ ولذلك أمر عباده أن يسألوه من فضله (٣).

وقال ابن رجب: " واعلم أنَّ سؤالَ اللهِ تعالى دونَ خلقه هوَ المتعين؛ لأنَّ السؤال فيهِ إظهار الذلِّ من السائل والمسكنة والحاجة والافتقار، وفيه الاعترافُ بقدرةِ المسؤول على دفع هذا الضَّرر، ونيل المطلوب، وجلبِ المنافع، ودرء المضارِّ، ولا يصلح الذلُّ والافتقار إلاَّ لله وحدَه؛ لأنَّه حقيقة العبادة" (٤).

وقال ابن القيم: " أمرَه بسؤاله والطلبِ منه؛ إظهاراً لمرتبة العبودية والفقر والحاجة، واعترافًا بعز الربوبية وكمال غنى الرب، وتفرده بالفضل والإحسان، وأن العبد لا غنى له عن فضله طرفة عين، فيأتي بالطلب والسؤال إتيان من يعلم أنه لا يستحق بطلبه وسؤاله شيئًا، ولكن ربه تعالى يحب أن يسأل ويرغب إليه ويطلب منه … والله سبحانه وتعالى يحب تذلل عبيده بين يديه وسؤالهم إياه وطلبهم حوائجهم منه، وشكواهم إليه وعياذهم به منه، وفرارهم منه إليه" (٥).


(١) تفسير الرازي: مفاتيح الغيب (١٤/ ١٠٥).
(٢) المرجع السابق (٢٧/ ٧٠).
(٣) التمهيد، لابن عبد البر (١٢/ ١٨٦).
(٤) جامع العلوم والحكم، لابن رجب (٢١/ ٢٥).
(٥) مدارج السالكين، لابن القيم (٣/ ١٠٢).

<<  <   >  >>