للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يرفع صوته بالدعاء صارخًا به" (١).

ثامنًا: عدم الاستعجال للإجابة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل) قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: (يقول: قد دعوت وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي! فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء) (٢).

والله تعالى يختار لعبده المؤمن ما هو خير؛ فقد يؤخر عنه الإجابة لحِكَم يرى بها أن تعجيل الإجابة ليس خيراً لعبده، فما عليه إلا تكرار الدعاء وعدم الاستحسار.

قال ابن الجوزي: "ينبغي لمن وقع في شدة ثم دعا ألا يختلج في قلبه أمر من تأخير الإجابة أو عدمها؛ لأن الذي عليه أن يدعو، والمدعو مالك حكيم، فإن لم يجب فعَلَ ما يشاء في ملكه، وإن أخر فَعلَ بمقتضى حكمته. فالمعترض عليه في سرِّه خارج عن صفة عبد، مزاحم لمرتبة مستحق، ثم ليعلم أن اختيار الله عز وجل له خير من اختياره لنفسه … فإذا سلم العبد تحكيماً لحكمته وحُكمه، وأيقن أن الكل ملكُه؛ طاب قلبه، قضيت حاجته أو لم تقض. وفي الحديث: (ما من مسلم دعا الله تعالى إلا أجابه؛ فإما أن يعجلها، وإما أن يؤخرها، و إما أن يدخرها له في الآخرة) فإذا رأى يوم القيامة أن ما أُجيب فيه قد ذهب، وما لم يُجب فيه قد بقي ثوابه، قال: ليتك لم تُجب لي دعوة قط. فافهم هذه الأشياء وسلّم قلبك من أن يختلج فيه ريب أو استعجال" (٣).

وقال أيضًا: "من العجب إلحاحُك في طلب أغراضك، وكلما زاد تعويقها زاد إلحاحك، وتنسى أنها قد تُمنع لأحد أمرين؛ إما لمصلحتك؛ فرب معجّل آذى، وإما لذنوبك؛ فإن صاحب الذنوب بعيد من الإجابة، فنظِّفْ طرق الإجابة من أوساخ


(١) فتح القدير، للشوكاني (٢/ ٣١٠).
(٢) رواه مسلم (٤/ ٢٠٩٥).
(٣) صيد الخاطر، لابن الجوزي (ص: ١١٥).

<<  <   >  >>