للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل، فما يزال يبتليه بما يكره حتى يبلِّغه إياها) (١). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المؤمنَ من نصب ولا وصب، ولا همٍّ ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) (٢).

ومن سلك طريق الصبر سيجده معموراً بخطوات السالكين المؤمنين قبله؛ من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؛ فكم صبر نوح، وصبر إبراهيم، وصبر يعقوب، وصبر يوسف، وصبر موسى، وصبر أيوب، وصبر محمد، عليهم الصلاة والسلام جميعًا! وكم صبر أتباعهم الصادقون، وقدموا من التضحيات، وفارقتهم أيامُ السرور الدنيوي وأفراحها الظاهرة.

قال ابن القيم-مخاطبًا ضعيف العزم على طريق الحق-: " أين أنت، والطريقُ طريقٌ تعب فيه آدم، وناح لأجله نوح، ورُمي في النار الخليل، وأُضجع للذبح إسماعيل، وبِيع يوسف بثمن بخس، ولبث في السجن بضع سنين، ونُشر بالمنشار زكريا، وذُبح السيد الحصور يحيى، وقاسى الضرَّ أيوب، وزاد على المقدار بكاء داود، وسار مع الوحش عيسى، وعالج الفقرَ وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم وتريده أنت باللهو واللعب؟!.

فيا دارَها بالحَزْنِ إن مزارها … قريبٌ، ولكنْ دون ذلك أهوالُ" (٣).

ويقول تعالى عن صبر أتباع الأنبياء الذي آمنوا بهم وصبروا على البلاء في سبيل الله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: ١٤٦].

فدرب الحق درب شاق يحتاج إلى عزيمة وثبات، وجَلَد وتصبر؛ ولهذا أمر الله تعالى


(١) رواه ابن حبان (٧/ ١٦٩)، وأبو يعلى (١٠/ ٤٨٢)، وهو صحيح.
(٢) رواه البخاري (٥/ ٢١٣٧)، ومسلم (٤/ ١٩٩١).
(٣) الفوائد، لابن القيم لابن القيم (ص: ٤١).

<<  <   >  >>