للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم في آيات كثيرة من القرآن بالصبر؛ فقال تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل: ١٢٧]، وقال: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: ٣٥]. وأمر به تعالى كذلك عمومَ المؤمنين فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: ٢٠٠]. "قال الحسن البصري رحمه الله: أُمروا أن يصبروا على دينهم الذي ارتضاه الله لهم وهو الإسلام، فلا يَدَعوه لسراء ولا لضراء، ولا لشدة ولا لرخاء، حتى يموتوا مسلمين، وأن يصابروا الأعداء" (١). وقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: ٤٦].

ولما كان الأمر كما سبق فإن المكاره لا تزال نازلة على المؤمن في نفسه أو ماله أو أهله أو أحبابه؛ فقد يمرض أو يُجرح، أو يؤذى أو يقهر، أو يتسلط عليه أهل الباطل، وقد يهم ويحزن، ويفتقر ويُجتاح ماله، ويسقم أو يموت بعض أهله وأقاربه وأحبابه، أو قد يُفرَّق بينه وبينهم. غير أن المؤمن القوي عندما تنزل به هذه المصائب فإنه يواجهها بالصبر والرضا، حتى ينقلب ألم المصيبة إلى فرحة، وكُرْهها إلى محبة، والضيق بها إلى سعة؛ لأنه يوقن أنها فعل الودود الرحيم العليم الحكيم، وأن اختيار الله له خير من اختياره لنفسه، وأن المضرات أبواب المسرات، والمواجع مصاعد الارتقاء إلى العلياء، وأن طلائع الشقاء من أول لمحة هي مفاتيح السعادة إذا وصلت وصادفت قلباً راضيًا، وأن ما أصابه أمارة محبة من الحبيب سبحانه وتعالى.

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (عِظَم الجزاء مع عظم البلاء، إن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط) (٢). يعني: يبتليهم: "بأنواع


(١) تفسير ابن كثير (١/ ٥٤٦).
(٢) رواه الترمذي (٤/ ٦٠١)، وابن ماجه (٢/ ١٣٣٨)، وهو حسن.

<<  <   >  >>