للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

البلايا؛ حتى يمحصهم من الذنوب، ويفرغ قلوبهم من الشغل بالدنيا؛ غيرةً منه عليهم أن يقعوا فيما يضرهم في الآخرة، وجميع ما يبتليهم به من ضنك المعيشة، وكدر الدنيا، وتسليط أهلها؛ ليشهد صدقهم معه، وصبرهم في المجاهدة، قال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: ٣١] " (١).

قال لقمان لابنه: "يا بني، الذهب والفضة يختبران بالنار، والمؤمن يختبر بالبلاء" (٢).

الصبر عبادة:

إن صبر المسلم على المكاره عبادة من أجلِّ العبادات، وقُربة من أعظم القربات، بل إن الدِّين مبني على الصبر والشكر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) (٣).

وعن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال: "الصّبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كلّه" (٤).

والصبر على الشدائد والمصائب وإن كان شديداً على النفس إلا أن المؤمن يجاهد نفسه عليه حتى يصير خلقًا من أخلاقه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن يتصبر يصبره الله) (٥). " (ومن يتصبر) أي: يستعمل الصبر (يصبره الله) أي: يقوِّه ويمكنه من نفسه حيث تنقاد له وتذعن، لتحمل الشدائد، وعند ذلك يكون الله معه فيظفره بمطلوبه، ويوصله إلى مرغوبه" (٦).


(١) فيض القدير، للمناوي (١/ ٢٤٦).
(٢) فيض القدير، للمناوي (٢/ ٤٥٩).
(٣) رواه مسلم (٤/ ٢٢٩٥).
(٤) الزهد، لوكيع (١/ ٢٢٧).
(٥) رواه البخاري (٢/ ٥٣٤)، ومسلم (٢/ ٧٢٩).
(٦) الديباج على مسلم، للسيوطي (٣/ ١٣٥).

<<  <   >  >>