للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

البلاء الثواب؛ لو أن جلودهم كانت قرضت بالمقاريض) (١). يعني: لما يرون من عظيم الثواب لأصحاب البلاء.

وعن الحسن البصري قال: "كانوا يرجون في حمى ليلة كفارةً لما مضى من الذنوب" (٢).

ثانيًا: الثقة بالله في حصول الفرج؛ فإن البلاء لا يدوم؛ والأمور كلها بيد الله تعالى.

قال الماوردي: " أخبرني بعض أهل الأدب أن أبا أيوب الكاتب حُبس في السجن خمس عشرة سنة حتى ضاقت حيلته، وقلّ صبره، فكتب إلى بعض إخوانه يشكو له طول حبسه، فردَّ عليه جواب رقعته بهذا:

صَبْرًا أَبَا أَيُّوبَ صَبْرَ مُبَرّحٍ … فَإِذَا عجزِتَ عَنْ الْخُطُوبِ فَمَنْ لَهَا

إنَّ الَّذِي عَقَدَ الَّذِي انْعَقَدَتْ لَهُ … عُقَدُ الْمَكَارِهِ فِيكَ يَمْلِكُ حَلَّهَا

صَبْرًا فَإِنَّ الصَّبْرَ يُعْقِبُ رَاحَةً … وَلَعَلَّهَا أَنْ تَنْجَلِي وَلَعَلَّهَا

فأجابه أبو أيوب يقول:

صَبَّرْتَنِي وَوَعَظْتَنِي وَأَنَا لَهَا … وَسَتَنْجَلِي بَلْ لَا أَقُولُ لَعَلَّهَا

وَيَحُلُّهَا مَنْ كَانَ صَاحِبَ عَقْدِهَا … كَرَمًا بِهِ إذْ كَانَ يَمْلِكُ حَلَّهَا

فلم يلبث بعد ذلك في السجن إلا أيامًا حتى أطلق مكرَّماً" (٣).

وقال ابن الجوزي: "فاصبر للبلايا فحيْنها يسير، واثبت للرزايا فأجرها كثير، وأحسن قِرى ضيف الهمِّ بالصبر الغزير، وتجلد على الظمأ فبين يديك ماءٌ نمير:


(١) رواه الترمذي (٤/ ٦٠٣)، وهو حسن.
(٢) المرض والكفارات، للقرشي (ص: ٤٠).
(٣) أدب الدنيا والدين، للماوردي (ص: ٣٧٥).

<<  <   >  >>