للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لا تجزَعَّنَ مِنَ المَنايا إِنْ أَتَتْ … واصبِر لِما تأَتي بِهِ الأَقدارُ

وغَدا الصَبور يَجُرُّ ذيلَ سُرورِه … في جَنَّةٍ مِنْ تحتِها الأنهَار

فكأَنْ قَدْ انكشَفَت غياياتُ البلا … وانجابت الآفات والأَكدار

وجَنى الجَزوعُ لِما جَنَى ثَمَرَ الأَسَى … فجَرى بِلَا أَجر لَهُ المِقدار

إِنِّي رأَيتُ معاشِراً لَم يفهموا … مَعنى الوجود فأَصبَحوا قَدْ حاروا

دُنياكَ دارٌ للبَلايا مُهِّدَت … ووراء ذَلك إِنْ عقلتَ نهار" (١).

وقال الشافعي:

يا نفسُ ما هو إلا صبرُ أيامِ … كأنَّ مدَّتها أضغاثُ أحلامِ

يا نفس جوزي عن الدنيا مبادِرةً … وخلِّ عنها فإن العيش قُدَّامي" (٢).

ثالثًا: التسلي عن المصيبة وتناسي ثقلها، بالانشغال بشيء يلهي عنها، قال ابن الجوزي: " مرَّ بي حمّالا جذعٍ ثقيل، وهما يتجاوبان بإنشاد النغم، وكلمات الاستراحة، فأحدهما يصغي إلى ما يقوله الآخر ثم يعيده أو يجيبه بمثله، والآخر همته مثل ذلك. فرأيت أنهما لو لم يفعلا هذا زادت المشقة عليهما، وثقل الأمر، وكلما فعلا هذا هان الأمر. فتأملت السبب في ذلك، فإذا به تعليق فكر كل واحد منهما بقول الآخر، وطربه به، وإجالة فكره في الجواب بمثل ذلك، فينقطع الطريق، وينسى ثقل المحمول. فأخذت من هذا إشارة عجيبة، ورأيت الإنسان قد حمل من التكليف أموراً صعبة، ومن أثقل ما حمل مداراة نفسه، وتكليفها الصبر عما تحب، وعلى ما تكره، فرأيت أن الصواب قطع طريق الصبر بالتسلية والتلطف للنفس، كما قال الشاعر:


(١) مواعظ ابن الجوزي (ص: ٩).
(٢) صيد الخاطر، لابن الجوزي (ص: ٣٤٣).

<<  <   >  >>