للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فإن تشكَّت فعللها المجرة مِنْ … ضوء الصباح وعِدْها بالرَّواح ضحى

ومن هذا ما يحكى عن بشر الحافي رحمة الله عليه، أنه سار ومعه رجل في طريق فعطش صاحبه، فقال له: نشرب من هذه البئر؟ فقال: أبشر، اصبر إلى البئر الأخرى، فلما وصلا إليها قال له: البئر الأخرى. فما زال يعلله … ثم التفت إليه فقال له: هكذا تنقطع الدنيا. ومن فهم هذا الأصل علل النفس وتلطف بها، ووعدها الجميل لتصبر على ما قد حُمِّلتْ، كما كان بعض السلف يقول لنفسه: والله ما أريد بمنعكِ من هذا الذي تحبين إلا الإشفاقَ عليك" (١).

رابعًا: ترك طول التفكير في امتداد البلاء، والاستعجال في ذهابه. قال ابن الجوزي: " للبلاء نهايات معلومة الوقت عند الله عز وجل، فلا بد للمبتلى من الصبر إلى أن ينقضي أوان البلاء، فإن تقلقل قبل الوقت لم ينفع التقلقل، كما أن المادة إذا انحدرت إلى عضو فإنها لن ترجع، فلا بد من الصبر إلى حين البطالة، فاستعجال زوال البلاء مع تقدير مدته لا ينفع. فالواجب الصبر وإن كان الدعاء مشروعاً، ولا ينفع إلا به، إلا أنه لا ينبغي للداعي أن يستعجل، بل يتعبد بالصبر والدعاء والتسليم إلى الحكيم. ويقطع المواد التي كانت سبباً للبلاء، فإن غالب البلاء أن يكون عقوبة. فأما المستعجل فمزاحم للمدبّر، وليس هذا مقام العبودية وإنما المقام الأعلى هو الرضى، والصبر هو اللازم، والتلافي بكثرة الدعاء نعم المعتمد، والاعتراض حرام، والاستعجال مزاحمة للتدبير، فافهم هذه الأشياء؛ فإنها تهون البلاء" (٢).

كلام جامع في أسباب نشأة الصبر:

وما أحسن ما ذكر ابن القيم من الأسباب التي ينشأ عنها الصبر على الرزية، حيث


(١) صيد الخاطر، لابن الجوزي (ص: ٧٠).
(٢) صيد الخاطر، لابن الجوزي (ص: ١١٤).

<<  <   >  >>