للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واحذر الحسرة عند نزول السكرة، ولا تأمن أن تكون لهذا الكلام حجة، نفعنا الله وإياك بالموعظة، ورزقنا وإياك خير العواقب، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته (١).

ابن الجوزي رحمه الله:

يقول ابن الجوزي-حاثًا النفوس على التفكر في مصيرها، وتذكر حسابها، والبكاء على تقصيرها: " إخواني: لو تَفكَّرت النُّفُوسُ فِيمَا بَينَ يَدَيهَا، وَتَذَكَّرَت حِسَابهَا فيما لها وعليها، لبعث حزنُها بريدَ دمها إليها؛ أما يحق البُكاء لمن طالَ عِصيانهُ: نهاره في المعاصي، وقد طال خُسرانه، وليله في الخطايا؛ فقد خفَّ ميزانه، وبين يديه الموت الشديد فيه من العذاب ألوانُه" (٢).

ويقول- محذراً من قسوة القلب، وذهول العقل في الهوى، وكثرة الإقبال على الدنيا والمعاصي فيها-: " فيا قياسي القلب، هَلاَّ بكيت على قسوتك، ويا ذاهل العقل في الهوى هَلاَّ ندمت على غفلتك، ويا مقبلاً على الدنيا فكأنك في حفرتك، ويا دائم المعاصي خف من غِبِّ معصيتك؛ ويا سيئ الأعمال نُح على خطيئتك:

يا عاذلَ المُشتاق دَعهُ فَإِنَّه … يطوي عَلى الزَّفَرات غيرَ حشاكا

لَو كانَ قَلبُكَ قَلبَه ما لمتَهُ … حاشاك ممَّا عِندَهُ حاشاكا (٣).

ويقول واصفًا الفائزين في الدنيا: " لله در أقوام أقبلوا بالقلوب على مقلِّبها، وأقاموا النفوس بين يدي مؤدبها، وسلموها إذ باعوها إلى صاحبها، وأحضروا الآخرة فنظروا إلى غائبها، وسهروا الليالي كأنهم وُكِّلوا بِرَعي كواكبها، ونادوا أنفسهم صبراً على نار حطبها، ومقتوا الدنيا فما مالوا إلى ملاعبها، واشتاقوا إلى لقاء حبيبهم فاستطالوا مدة المقام بها" (٤).


(١) حلية الأولياء، لأبي نعيم (٢/ ١٣٤).
(٢) مواعظ ابن الجوزي (ص: ١).
(٣) مواعظ ابن الجوزي (ص: ٢ - ٣).
(٤) مواعظ ابن الجوزي (ص: ١٤).

<<  <   >  >>