للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فما أحسن ما يجده المؤمن في كنف الطاعات من الملذات والمسرات التي يجزيه الله تعالى بها على عمله الصالح في الدنيا قبل الآخرة، وهذا من الحياة الطيبة التي أشار إليها قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: ٩٧]. قال ابن القيم: "وقد فُسرت الحياة الطيبة بالقناعة والرضى والرزق الحسن وغير ذلك، والصواب أنها حياة القلب ونعيمه وبهجته وسروره بالإيمان، ومعرفة الله ومحبته والإنابة إليه والتوكل عليه؛ فإنه لا حياة أطيب من حياة صاحبها، ولا نعيم فوق نعيمه إلا نعيم الجنة" (١).

لقد "فاز المتقون المحسنون بنعيم الدنيا والآخرة، وحصلوا علي الحياة الطيبة في الدارين؛ فإن طيب النفس وسرور القلب، وفرحه ولذته وابتهاجه وطمأنينته وانشراحه، ونوره وسعته وعافيته من ترك الشهوات المحرمة والشبهات الباطلة؛ هو النعيم علي الحقيقة، ولا نسبة لنعيم البدن إليه؛ فقد قال بعض من ذاق هذه اللذة: لو علم الملوك وأبناء ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف … وأي لذة ونعيم في الدنيا أطيب من بر القلب وسلامة الصدر، ومعرفة الرب تعالى ومحبته والعمل على موافقته، وهل عيش في الحقيقة إلا عيش القلب السليم" (٢).

وهذا النوع من اللذات يتنعم أهله فيه أعظم من تنعمهم باللذات البدنية. فالطاعات غذاء للقلب وسرور له وقرة عين في حقه ونعيم لروحه يتلذذ بها ويتنعم بملابستها أعظم مما يتنعم بملابسة الطعام والشراب واللذات الجسمانية؛ فإن اللذات الروحانية القلبية أقوى وأتم من اللذات الجسمانية (٣).

ومن تلك اللذات الروحية: لذة الذكر، ولذة العلم، ولذة الانتصار على الهوى


(١) مدارج السالكين، لابن القيم (٣/ ٢٥٩).
(٢) الجواب الكافي، لابن القيم (ص: ٨٤).
(٣) مدارج السالكين، لابن القيم (٣/ ١٦٥) بتصرف.

<<  <   >  >>