للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن القيم: " لذة النظر إلى وجه الله يوم القيامة تابعة للتلذذ بمعرفته ومحبته في الدنيا، وكما أنه لا نسبة لنعيم ما في الجنة إلى نعيم النظر إلى وجهه الأعلى سبحانه، فلا نسبة لنعيم الدنيا إلى نعيم محبته ومعرفته والشوق إليه والأنس به، بل لذة النظر إليه سبحانه تابعة لمعرفتهم به ومحبتهم له؛ فإن اللذة تتبع الشعور والمحبة، فكلما كان المحب أعرف بالمحبوب وأشد محبة له كان التذاذه بقربه ورؤيته ووصوله إليه أعظم" (١).

إن لذات الآخرة أشد وأعظم من لذات الدنيا بلا شك؛ لأنها لا آخر لها ولا كدورة فيها، وأما لذات الدنيا فإنها سريعة الدثور، وهى مشوبة بالمكدرات، فما فيها لذة صافية عن كدر، وكيف وفى التوبة عن المعاصي والإقبال على الطاعة تلذذ بمناجاة الله تعالى واستراحة بمعرفته وطاعته، وطول الأنس به، ولو لم يكن للمطيع جزاء على عمله إلا ما يجده من حلاوة الطاعة ورَوح الأنس بمناجاة الله تعالى لكان ذلك كافيًا فكيف بما ينضاف إليه من نعيم الآخرة! (٢).

فأهل الإيمان لعلمهم بالله وحبهم له ومعرفتهم به أقبلوا على طاعته فوجدوا فيها غاية اللذة. وـ" اللذة تابعة للمحبة تقوى بقوتها وتضعف بضعفها، فكلما كانت الرغبة في المحبوب والشوق إليه أقوى كانت اللذة بالوصول إليه أتم، والمحبة والشوق تابع لمعرفته والعلم به، فكلما كان العلم به أتم كانت محبته أكمل فإذا رجع كمال النعيم في الآخرة، وكمال اللذة إلى العلم والحب فمن كان يؤمن بالله وأسمائه وصفاته ودينه أعرف كان له أحب، وكانت لذته بالوصول إليه مجاورته والنظر إلى وجهه وسماع كلامه أتم، وكل لذة ونعيم وسرور وبهجة بالإضافة إلى ذلك كقطرة في بحر فكيف يؤثر من له عقل لذة ضعيفة قصيرة مشوبة بالآلام على لذة عظيمة دائمة أبد الآباد. وكمال العبد بحسب هاتين القوتين: العلم والحب، وأفضل العلم العلم بالله، وأعلى الحب الحب له، وأكمل اللذة بحسبهما" (٣).


(١) إغاثة اللهفان، لابن القيم (١/ ٣٣).
(٢) إحياء علوم الدين، للغزالي (٤/ ٥٩) بتصرف.
(٣) الفوائد، لابن القيم (ص: ٥٣).

<<  <   >  >>