للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قُهر. بخلاف غالب الهوى فإنه يكون قوي القلب عزيزاً؛ لأنه قَهر. فالحذر الحذر من رؤية المشتهى بعين الحُسن، كما يرى اللص لذة أخذ المال من الحِرز، ولا يرى بعين فكره القطع، ولو يفتح عين البصيرة لتأمل العواقب واستحالت اللذة نغصة … وليتذكر الإنسان لذة قهر الهوى، مع تأمل فوائد الصبر عنه، فمن وفِّق لذلك كانت السلامة قريبة منه" (٣ (١).

لذات الآخرة:

الآخرة هي الدار الباقية التي يُجزَى الناس فيها على أعمالهم في الدنيا ويصيرون إما إلى نعيم يلقى فيه أهله كل لذة، وإما إلى جحيم لا لذة فيه البتة.

والله تعالى "إنما خلق الخلق لدار القرار وجعل اللذة كلها بأسرها فيها، كما قال الله تعالى: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ} [الزخرف: ٧١]. وقال تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُن} [السجدة: ١٧]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ذُخْرًا بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ (٢) (٣). أي: غير ما أطلعتم عليه. وهذا هو الذي قصده الناصح لقومه الشفيق عليهم حيث قال: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر: ٣٨، ٣٩]. فأخبرهم أن الدنيا متاع يتمتع بها إلى غيرها، والآخرة هي المستقر" (٤).

فلذلك كانت لذات الآخرة خاصة بأهل الجنة الذين تنعموا في الدنيا بلذة الطاعة، ثم رقّاهم الله تعالى في مصاعد اللذة فأدخلهم الجنة، التي يجدون فيها اللذات الكاملة للروح والجسد، والسمع والبصر، والزمان والمكان، والجار والأنيس.


(١) صيد الخاطر، لابن الجوزي (ص: ٣٩).
(٢) أي: دعوا ما أطلعتم عليه من نعيم الجنة وعرفتموه من لذاتها فإنه سهل يسير في جانب ما ادخرته لكم.
(٣) رواه البخاري (٤/ ١٧٩٤)، ومسلم (٤/ ٢١٧٤).
(٤) روضة المحبين، لابن القيم (ص: ١٥٧).

<<  <   >  >>