للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر: ١، ٢]، هذا فضح القوم ألهاكم التكاثر عن الجنة عند دعوة الله تعالى وكرامته. والله لقد صحبنا أقوامًا كانوا يقولون: ليس لنا في الدنيا حاجة، ليس لها خُلقنا، فطلبوا الجنة بغدوهم ورواحهم وسهرهم، نعم- والله- حتى أهرقوا فيها دماءهم، ورجوا فأفلحوا ونجوا" (١).

ففكِّر-يا عبد الله- في الآخرة وما فيها من الثواب الجزيل، والعطاء الكثير لمن آمن وعمل صالحاً؛ فإن ذلك يمحو حب الدنيا من قلبك، ويشحذ همتك بالجد في الاستعداد لجنة الله ورضوانه. قال الغزالي: "وأما حب الدنيا فالعلاج في إخراجه من القلب شديد، وهو الداء العضال الذي أعيا الأولين والآخرين علاجه، ولا علاج له إلا الإيمان باليوم الآخر وبما فيه من عظيم العقاب وجزيل الثواب، ومهما حصل له اليقين بذلك ارتحل عن قلبه حب الدنيا؛ فإن حب الخطير هو الذي يمحو عن القلب حب الحقير، فإذا رأى حقارة الدنيا ونفاسة الآخرة استنكف أن يلتفت إلى الدنيا كلها، وإن أُعطِي ملك الأرض من المشرق إلى المغرب، وكيف وليس عنده من الدنيا إلا قدر يسير مكدر منغص، فكيف يفرح بها أو يترسخ في القلب حبها مع الإيمان بالآخرة، فنسأل الله تعالى أن يرينا الدنيا كما أراها الصالحين من عباده" (٢).


(١) حلية الأولياء، لأبي نعيم (٢/ ١٤٠ - ١٤٢).
(٢) إحياء علوم الدين، للغزالي (٤/ ٤٥٧).

<<  <   >  >>