للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الذي تريد فإذا أنت -يا ابن آدم- قد ندمت حيث لا تغني الندامة عنك. ارفض الدنيا ولتسخُ بها نفسُك، ودع منها الفضل؛ فإنك إذا فعلت ذلك أصبت أربح الأثمان من نعيم لا يزول، ونجوت من عذاب شديد ليس لأهله راحة ولا فترة، فاكدح لما خلقت له قبل أن تفرق بك الأمور فيشق عليك اجتماعها، صاحب الدنيا بجسدك وفارقها بقلبك، ولينفعك ما قد رأيت مما قد سلف بين يديك من العمر، وحال بين أهل الدنيا وبين ما هم فيه؛ فإنه عن قليل فناؤه، ومخوف وباله، وليزدك إعجاب أهلها بها زهداً فيها، وحذراً منها؛ فإن الصالحين كذلك كانوا. واعلم -يا ابن آدم- أنك تطلب أمراً عظيمًا لا يقصر فيه إلا المحروم الهالك، فلا تركب الغرور وأنت ترى سبيله، ولا تدع حظك وقد عرض عليك وأنت مسئول ومقول لك، فأخلص عملك، وإذا أصبحت فانتظر الموت، وإذا أمسيت فكن على ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإن أنجى الناس من عمل بما أنزل الله في الرخاء والبلاء، وأمر العباد بطاعة الله وطاعة رسوله؛ فإنكم أصبحتم في دار مذمومة خلقت فتنة، وضُرب لأهلها أجل، إذا انتهوا إليه يبيد، أخرج نباتها، وبث فيها من كل دابة، ثم أخبرهم بالذي هم إليه صائرون، وأمر عباده فيما أخرج لهم من ذلك بطاعته، وبين لهم سبيلها يعني سبيل الطاعة، ووعدهم عليها الجنة، وهم في قبضته ليس منهم بمعجز له، وليس شيء من أعمالهم يخفى عليه، سعيهم فيها شتى بين عاص ومطيع له، ولكل جزاء من الله بما عمل ونصيب غير منقوص، ولم أسمع الله تعالى فيما عهد إلى عباده وأنزل عليهم في كتابه رغب في الدنيا أحداً من خلقه، ولا رضي له بالطمأنينة فيها، ولا الركون إليها، بل صرف الآيات وضرب الأمثال بالعيب لها، والنهي عنها ورغب في غيرها، وقد بين لعباده أن الأمر الذي خلقت له الدنيا وأهلها عظيم الشأن، هائل المطلع، نقلهم عنها إلى دار لا يشبه ثوابها ثوابًا ولا عقابها عقابًا، لكنها دار خلود يُدِين الله تعالى فيه العبادَ بأعمالهم، ثم ينزلهم منازلهم، لا يتغير فيها بؤس عن أهلها ولا نعيم. فرحم الله عبداً طلب الحلال جهده حتى إذا دار في يده وجهه وجهه الذي هو وجهه. ويحك يا ابن آدم، ما يضرك الذي أصابك من شدائد الدنيا إذا خلص لك خير الآخرة؟ {أَلْهَاكُمُ

<<  <   >  >>